بواسطة مركز التقدم للسياسات
ورقة سياسات: علي احمد هندي
مقدمة:
عقدت في العاصمة الصومالية مقديشو مطلع فبراير 2023 ، قمة رباعية شارك فيها رؤساء كلا من الصومال وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي، بهدف مركزي بحسب المنظمين ،هو التنسيق لمجابهة الخطر الذي باتت تشكله حركة الشباب الصومالية للاقليم بأسره. سبق القمة لقاء لوزراء دفاع الدول الأربعة.
وكانت الجماعة المرتبطة بالقاعدة قد كثفت من هجماتها الدموية على أهداف حكومية ومدنية خلال الأشهر القليلة الماضية، وعد الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود بالقضاء على الخطر الذي تشكله الحركة، ليس على بلاده وإنما على الإقليم .
جاء في البيان الختامي أن القادة عبروا عن استعدادهم لتوفير الدعم للحكومة الصومالية في عملياتها العسكرية بهدف إخراج الحركة من المدن والمناطق المهمة التي يسيطرون عليها وصولا إلى تطهير الصومال كاملا من الحركة في غضون 24 شهرا.
وجاء في المصادر الإعلامية الصومالية، إن الحكومة قررت إرسال 6000 عنصر لتلقي التدريب العسكري في إريتريا وأوغندا، ومجموعات اخرى سوف تتلقى تدريبا في مصر وإثيوبيا دون الاشارة إلى أعدادهم، وذلك ضمن خطة تهدف إلى جعلهم قوام للقوات المشتركة.
في التفاصيل:
لم يكن سهلا التئام قمة إقليمية مركزها الصومال ، نظرا للخلافات العميقة بين الدول ، تغذيها المشاكل الحدودية المزمنة والتداخلات العرقية شديدة التعقيد بين البلدان ، فالصوماليون في إقليم أوغادين الإثيوبي يشكلون نحو 6 بالمئة من سكانها ، وهم يحكمون جيبوتي ، وهناك جالية صومالية كبرى في كينيا التي باتت عاملا مهما في إقليم جوبا لاند وتتحكم في تعيين حاكم الإقليم .
اتسمت الشهور الاولى من حكم الرئيس الصومالي بتوترات مع الجارة اثيوبيا، نتيجة لمجموعة من الحوادث توجت بالهجوم الذي شنته حركة الشباب داخل إثيوبيا واتهمت فيه أوساط متنفذة في الحكومة الصومالية ، تلا ذلك تصريحات أدلى بها الرئيس الصومالي أثناء زيارته للقاهرة عن دعم الصومال لمصر في خلافها مع إثيوبيا حول سد النهضة. ردت الحكومة الاثيوبية على تلك الأحداث باستضافة كلا من رئيس اقليم الجنوب الغربي ورئيس إقليم بونتلاند الصومالي وأجرت اتصالات مع حاكم إقليم جوبا لاند دون المرور عبر مقديشو، مما تسبب في تعميق الأزمة بين البلدين. ولم تنجح الزيارة التي قام شيخ محمود إلى أديس أبابا في إنهاء التوتر وبات الامر بحاجة الى قمة من أجل ضمان التزام أثيوبيا بموقف صلب مؤيد لحكومة حسن شيخ وحربه ضد حركة الشباب.
كما ان التنسيق بين إثيوبيا وكينيا لم يعد أمر سهل المنال خاصة وان أديس ابابا بدأت تستشعر الخطر من الحراك الكيني لجعل نيروبي بديلا لأديس أبابا عاصمة للدبلوماسية الافريقية، ومن الحراك الكيني لجعل منظومة دول شرق افريقيا تكتلا اقتصاديا قادرا على تهميش ومنافسة الدور الإثيوبي.
غير تمدد الحركات الإسلامية المتطرفة من القاعدة وداعش في الخواصر الافريقية الرخوة ، في جنوب الصحراء وشرق أفريقيا وجنوبها ، وبات عاملا مهما في الأوضاع الداخلية المتوترة في القارة استدعى عودة الانقلابات العسكرية . لكن هذا التمدد الإرهابي بدأ يتقاطع مع الصراع الدولي ، وتحديدا مع الصين وروسيا والصراع على النفوذ والموارد ، الأمر الذي استدعى تدخلا أمريكيا ودعما جديدا للحكومة الصومالية ، والعمل على إنشاء مجموعات عمل إقليمية ، تؤمن البلدان من خطر التنظيمات المتطرفة من جهة وتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة . وتعيد بعض التحليلات الافريقية التئام القمة الرباعية في مقديشو إلى ضغوط أمريكية . ولان حركة الشباب الصومالية بدأت في التمدد في دول الجوار وتبني قواعد لها خارج سيطرة الحكومات ، استدعى ذلك تنسيقا سريعا وتجاوز المشاكل البينية .
1- حركة الشباب : النشأة والتطور
ظهرت حركة الشباب في العام 2002 وان كانت لم تنشط إلا بعد دخول القوات الإثيوبية الي مقديشو عام 2006. وأعلنت منذ اليوم الأول لتأسيسها ،أنها تسعى لإقامة دولة إسلامية في الصومال.
– يعود تاريخ الحركات الجهادية في الصومال إلى حقبة حكم الجنرال محمد سياد بري الذي امتد من نهاية ستينيات القرن الماضي إلى العام 1991. حين خرج من رحم المنظمات الدينية التي أسسها قادة إسلاميون بهدف محاربة النفوذ الغربي في شرق أفريقيا، حراك أعلن في العام 1984 عن تأسيس حركة الاتحاد الإسلامي ، وذلك بهدف إقامة دولة إسلامية في شرق إفريقيا.
– اندمج الاتحاد مع منظمة سلفية أخرى هي وحدة شباب الاسلام. وبعد سقوط نظام بري في عام 1991 ، تحالفت الحركة مع جبهة تحرير أوغادين الوطنية ، وهي حركة انفصالية كانت تطالب بانفصال اقليم اوجادين موطن ابناء العرقية الصومالية عن اثيوبيا، ونتيجة لهذا التحالف قامت الحركة بتوجيه عملياتها ضد إثيوبيا.
– في 4 يناير 1997 ، أعلن التحالف على لسان قائده حسن ضاهر عويس ، أنه قرر التحول إلى حزب سياسي، وانه لم يعد مجموعة مسلحة مما يشير إلى النهاية الفعلية للتنظيم كمجموعة مسلحة. ولكن بعض عناصر وقادة الحركة انشقوا عن التحالف وشكلوا تنظيما مسلحا جهاديا جديدا .
– جاء ظهور” اتحاد المحاكم الإسلامية” في أواخر التسعينات، ليشكل بداية توحيد المجموعات الإسلامية المختلفة في إطار الجناح العسكري الجديد، عاد عويس إلى الواجهة مرة أخرى ليقوده، وهو نفس الجناح الذي تطور ليصبح ما بات يعرف بحركة الشباب المتشددة.
– ظل نهج الحراك الإسلامي في الصومال بشقيه السلمي والمسلح على عداء مع الحكومات التي تعاقبت على حكم اثيوبيا، فقام بتوظيف الصراع الحدودي والصراع العرقي تحت عناوين مختلفة منها سيطرة الشيوعيين واليساريين والقوميين الامهرة والتيغراي على الحكم. توج ذلك بتحالف حركة الاتحاد مع جبهة الاوغادين في حربها ضد الحكومة الإثيوبية.
– هذا الاستهداف أسس لتبني الحكومة الاثيوبية سياسة استباقية تجلت في اجتياح جيشها للصومال فور سيطرة المحاكم الإسلامية على مقاليد الحكم في العام 2006. ومنح هذا الاجتياح المسوغات لحركة الشباب ان تعلن عن نفسها دون الحاجة الي العمل تحت غطاء حركة الاتحاد الاسلامية او غيرها وباتت أكثر ثقة في قدرتها على كسب تعاطف الصوماليين أفضل من كل الحركات السابقة.
2- دور القبائل في دعم حركة الشباب:
– التفت غالبية القبائل الصومالية خلف مقاومة الاجتياح الاثيوبي لبلادهم ، ومع غياب المركزية السياسية لحركة المحاكم الاسلامية التي مثلها الرئيس الصومالي السابق الشيخ حسن شريف، استمرت حركة الشباب وحدها في تمثيل المقاومة الصومالية. استأثرت الحركة بأشكال مختلفة من الدعم الدعم الإقليمي والدولي كل حسب مصالحه، الأمر الذي مكنها من التواجد بشكل علني في رقعة جغرافية واسعة.
– تعددت أشكال الدعم العشائري للحركة بانضمام أعداد كبيرة من الشباب المفقر والمطحون بالازمة الاقتصادية الخانقة والبطالة، والقادمين من بعض بطون القبائل الكبرى، التي وفرت الحماية لهم من الملاحقة وصولا الي توفير المعلومات وتسهيل حركة العناصر لاختراق الاجهزة الامنية وتنفيذ الهجمات.
– يمثل الانتماء للعشيرة لدى الصوماليين أهمية تفوق الانتماء للدولة ، ولم تفلح الدولة خلال عمرها القصير في صهر الهويات العشائرية في الهوية القومية، فكان أن لجأ الصوماليون إلى القبلية بحثا عن الأمان بعد سقوط الدولة في العام 1991، والأهمية المطلقة لدور العشيرة تعزز من خلال التركيبة العشائرية التي تعرف بتركيبة اربعة فاصل واحد، وهي الصيغة التي تشكل على أساسها البرلمان الصومالي ، المكون على أسس قبلية وليس انتخابية ، استأثر اربعة من كبرى القبائل بعدد متساوي من المقاعد هو 62 مقعدا وهي ، “الهووية والداروت والدر والدقل منفل” فيما تكون المقاعد المتبقية وهي 31 مقعدا من نصيب العشائر الاخرى التي صنفت انها الاقل ثقلا.
– دفع الاقتتال بين القبائل المختلفة بالصوماليين إلى اللجوء للعشيرة، فحلت محل الدولة في تولي الحماية وتولي الاعباء المالية من ديون او فدية.
– انخرط الصوماليين في المهاجر ليكونوا جزءا من منظومة مالية بدأت في ضخ الاموال عن طريق نظام الحوالات المصرفية، الذي جعل من عملية تتبع الأموال عملية معقدة للغاية، وبذلك توفرت لحركة الشباب القنوات الامنة للحصول على الدعم المالي.
3- الحركة والاستفادة من التداخلات الحدودية.
– حرصت الحركة على التواجد في إقليم جنوب الغرب الذي يقع غرب العاصمة مقديشو وكذلك إقليم جوبالاند الواقع على امتداد الحدود مع كينيا، وذلك لوفرة المياه والأراضي الزراعية الخصبة وانتشار الغابات التي توفر مناطق آمنة للاختباء. وهي جغرافيا لا تتوفر في الأراضي الواقعة شمال العاصمة والتي تمتد الى اقليم أوغادين في إثيوبيا حيث الأراضي المنبسطة المكشوفة وانعدام المياه والأراضي الخصبة. ومنحت تلك الأراضي للحركة خاصية التواجد قرب المناطق التي يسكنها الصوماليين في كينيا والتي يوجد بها أكبر معسكر للاجئين في العالم، حيث يعيش الصوماليين الفارين من بلدهم. وهذه المعسكرات شكلت بيئة خصبة لنشر الأفكار المتطرفة لاستقطاب الشباب للانضمام للحركة.
– كما أن المنظومة المالية القائمة على تحويلات المقيمين في الخارج باتت تدار من كينيا، ومكنت الصوماليين من السيطرة على قطاع واسع من سوق التحويلات المالية في كينيا وكذلك الهيمنة التجارية في مدن كينية أخرى .
– امتد تأثير حركة الشباب إلى دول في شرق افريقيا مثل أوغندا وتنزانيا ورواندا وصولا الى موزامبيق التي يعتقد أن لحركة الشباب بصمة في الحركة المتطرفة التي ظهرت فيها.
– يمكن القول أن المنظومة المالية التي أشرنا اليها مكنت التجار الصوماليين من السيطرة على قطاع نقل المحروقات وقطاع محطات الوقود في تلك الدول وهذه السيطرة وفرت لحركة الشباب قنوات لتحريك أموالها واستثماراتها بسهولة ويسر.
الخلاصة:
رغم كل الجهود العسكرية بما في ذلك الدعم العسكري الأمريكي للحكومة الصومالية إلا أن حركة الشباب، تمكنت في العامين الأخيرين من تهديد العاصمة والمدن الصومالية بالتفجيرات والاغتيالات ، كما أن صلاتها العرقية في كل من كينيا وإثيوبيا وجمهورية ارض الصومال ومناطق الحكم الذاتي الأخرى ، سهل على الحركة مهمة التنقل وبناء القواعد العسكرية والتمدد في دول شرق أفريقيا ، وهو ما جعل قادة الدول الأربع يتجاوزون الخلافات ويلتقون في مقديشو لأن خطر الإرهاب في دولهم التي تعيش ازمات داخلية تهدد وحدتها السيادية بات على الابواب.