بعد زيارة وزير خارجية إسرائيل للخرطوم.. هل ينقذ التطبيع حكومة العسكر أم يعمق الازمة؟

0 76

مركز التقدم للسياسات : ذو النون سليمان

.

تقديم :
في خطوة وصفتها الدوائر الاسرائيلية بالإنجاز التاريخي لمسار التطبيع العربي مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية, زار الخرطوم وزير الخارجية إيلي كوهين وبرفقته وفد رفيع من القيادات الأمنية والدبلوماسية لإحداث اختراق استراتيجي في مسار العلاقات السودانية -الإسرائيلية وإنعاش عملية تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين .
البداية الفعلية كانت في العاصمة الأوغندية عنتيبي، عندما اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان في فبراير 2020 , واتفقا على بدء الحوار من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين . مواصلة لخطوات التطبيع عقد إيلي كوهين, الذي أشرف سابقا على مذكرة التفاهم الأولية بين البلدين إبان توليه ملف الاستخبارات الخارجية, اجتماعا مغلقا مع رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان وعدد من القيادات العسكرية والأمنية وصفته الحكومة في تل أبيب بأنه أرسى الدعائم الأساسية لاتفاقية سلام وتطبيع كامل سيتم التوقيع عليها خلال العام الجاري .

تحليل:
في أعقاب ‏‏الانقلاب العسكري على المدنيين في السودان في ‏‏أكتوبر 2021، أوضح المسؤولون الإسرائيليون أن فرص العلاقات الدبلوماسية المفتوحة بين البلدين قد تضاءلت. ومع ذلك، وبسبب العلاقات الجيدة بين المستوى الأمني وكبار أعضاء المجلس العسكري في السودان، استمرت المفاوضات بين الجانبين ، وذلك لإدراك قادة إسرائيل أن مشروع التطبيع مع السودان لن يرى النور إلا في ظل سيطرة العسكريين على الحكم بالنظر للرفض الشعبي والسياسي للتطبيع الذي يجعل القوى المدنية تترد إزاءه حفاظا على جماهيريتها ومشروعيتها السياسية ، نسبة لمكانة القضية الفلسطينية في وجدان الشعب السوداني , وهو ما تم التعبير عنه بما يشبه الإجماع بعد لقاء البرهان-نتنياهو في عنتيبي , بأن ملف التطبيع مع إسرائيل يجب أن يتم عبر برلمان منتخب وسلطة منتخبة وليس مؤسسات انتقالية .
ما يحدث الان هو تكرار لذات المقايضة السياسية الأمريكية ( التطبيع الكامل مقابل الدعم ورفع السودان من قائمة الإرهاب ) ‏‏من خلال معادلة جديدة تتمثل في شرعية حكم العسكر مقابل التطبيع الكامل , فرضها حاجة عسكر السودان لأموال المانحين الدوليين ورغبة نتنياهو في تحقيق نجاحات سياسية لحكومته الهشة .هذه الخطوة ( الاعتراف بإسرائيل ) تهدد حكم العناصر العسكرية التي تتولى زمام المبادرة في إقامة اتصالات مع إسرائيل , وستتيح للمجموعات الإسلامية فرصة للتصعيد السياسي وعودة الحياة لمشروعهم الإسلامي ، وهو ما أعلنته في بياناتها الرسمية ، إلى جانب استغلالها من قبل التيارات الرافضة للشراكة السياسية مع العسكر ، مما قد يعرض اتفاق التطبيع للمراجعة أو الإلغاء . ومع غياب حكومة فاعلة، فلن يكون السودان في وضع يسمح له بالشراكة والتعاون مع إسرائيل في أي من القضايا المطروحة ، بما في ذلك المصالح الاستراتيجية المتعلقة بالترتيبات الإقليمية أو الاستثمارية , وتشير التقديرات بما فيها الإسرائيلية ، أن التطبيع مع السودان ينحصر في التنسيق الأمني خاصة مع رغبة إسرائيل في إنشاء ‏‏قاعدة استخباراتية‏‏ على البحر الأحمر لتأمين عمقها المائي والأمني في المنطقة .
• الحاجة الإسرائيلية للعلاقة مع السودان :
تشير كل المعطيات ، اقتراب الحكومة السودانية من التطبيع النهائي مع إسرائيل للانضمام لاتفاقيات إبراهام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية والإسلامية، وذلك تحت رعاية الولايات المتحدة التي ضغطت في عهد إدارة ترامب على الحكومة الانتقالية بقيادة البرهان ورئيس وزرائه عبد الله حمدوك من أجل الموافقة على تطبيع العلاقات مع اسرائيل مقابل حزمة من الحوافز المالية الحيوية، بما في ذلك إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.
التصريحات الرسمية لوزير الخارجية الإسرائيلية بعد عودته الى تل أبيب, كشفت عن طبيعة المباحثات بالخرطوم ودوافع اهتمام إسرائيل بالمنطقة والتي تتعلق بالتصور الإسرائيلي لنظام إقليمي جديد يوفر لها الأفضلية في صراعها العربي الفلسطيني من خلال الاتفاقيات الابراهيمية التي تهدف استراتيجيتها ، إخراج القضية الفلسطينية من سياقها العربي والإسلامي وتجريدها من أهم روافع دعمها التاريخية والراهنة .
فالتطبيع مع السودان يتيح لإسرائيل فرصة تعزيز أمنها في منطقة البحر الأحمر الي جانب تحقيقها مكاسب اقتصادية من خلال الاستثمار في قطاع المعادن, خصوصا الذهب, الذي يعتبر السودان أكبر منتج له في المنطقة , والاهم , الامتدادات الإقليمية لمنطقة وسط أفريقيا والبحيرات الغنية بالماس والمعادن النادرة عبر بوابة السودان ، وهو ما سيؤمن لإسرائيل ضمانات استراتيجية اقتصادية وفتح أسواق جديدة لصناعاتها وتجارتها على المدى الطويل. كما أن اتفاق السلام المرتقب سيكون أحد مفاتيح الحلول لملف اللاجئين السودانيين العالقين في إسرائيل, بإعادتهم الى بلادهم ، رغم أن معظمهم أتوا من أماكن ما زالت تعيش صراعا مسلحا . وفقا للأمم المتحدة، هناك أكثر من 6000 مهاجر سوداني غير شرعي في إسرائيل، لم تُمنح الغالبية العظمى منهم حق اللجوء الإنساني أو السياسي بشكل رسمي.

مصالح جنرالات السودان:
يحقق التطبيع شرعية مفقودة لعسكر الحكم في السودان الذين يواجهون انتفاضات جماهيرية مستمرة، في ظل انهيار اقتصادي شبه كامل نتيجة للمقاطعة الدولية وانهيار مؤسسات الدولة. جنرالات السودان، يتطلعون للتطبيع مع إسرائيل كوسيلة للمساعدة في رفع تحفظ المؤسسات المالية الدولية والإقليمية عن تمويل السودان ، وفتح الباب أمام المساعدات الاقتصادية التي يعتبر السودان في أمس الحاجة إليها في ظل معدلات التضخم المرتفعة وغياب الدولة الخدمية ونقص الغذاء وانخفاض مستويات المعيشة، وباتت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة أحد أهم العوامل المهددة لبقاء العسكر في السلطة.

• ردود الأفعال السودانية
تُعرف مدينة الخرطوم في العالم العربي والمحيط الإسلامي باسم عاصمة “اللاءات الثلاث” ، فبعد استضافتها لقمة جامعة الدول العربية عام 1967 بعد هزيمة الجيوش العربية في الحرب , صدر قرار المقاطعة الشهيرة الشاملة لإسرائيل , والتي لخصت عبارته التاريخية “لا سلام ولا اعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل ” الموقف العربي والإسلامي الرسمي الذي مثل السند الحقيقي للفلسطينيين, وبناء عليه ربطت الدول العربية السلام مع إسرائيل بانسحابها من الأراضي التي احتلتها في الحرب ، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية , ولهذا لم يترك الوزير إيلي كوهين الفرصة ليعبر بلغة المنتصر في مؤتمره الصحفي حين قال ” نحن نبني واقعًا جديدًا مع السودانيين لتصبح اللاءات الثلاث ، نعم للمفاوضات ونعم للاعتراف بإسرائيل ونعم للسلام بين الدول والشعوب ” .
شكلت القضية الفلسطينية ولاءات الخرطوم الثلاث مخيلة السودانيين الجمعية بكل مناخاتها السياسية والثقافية ضد كل ما هو إسرائيلي بوصفها عدو تاريخي ، انعكس هذا في ردود أفعال القوى السياسية التي اعتبرت الخطوة اختطاف للقرار السياسي السوداني , وتتوافق مع مصالح القوى المهيمنة على السلطة , وقالت مجموعة سودانيون ضد التطبيع إن رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان وحكومته يتجاوزون الأدوار التي يجب أن تقوم بها السلطة الانتقالية في تهيئة البلاد للانتقال لمرحلة ديمقراطية ذات سلطة منتخبة لها صلاحيات البت في القضايا الوطنية الكبرى والعلاقات الخارجية , واعتبرت نقابة الصحفيين السودانيين الاتفاق تهديدا خطيرا للسودان واستثمار في ازماته السياسية , وقالت القوى السياسية أن الخطوات التطبيعية، توضح نوايا البرهان في الاستمرار في السلطة عبر التحالف مع إسرائيل وتوظيف علاقاتها الدولية خدمة لهذا الهدف , خلافا لما ظل يصرح به بعدم تدخله في الشأن السياسي .

مستقبل التطبيع:
خطوات التطبيع السوداني – الإسرائيلي بشكلها الحالي تضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع قوي الثورة والتغيير الرافضة لسيطرة العسكريين على السلطة والتي تراه امتدادا للنظام القديم الذي استطاعت إسقاط رئيسه عمر البشير في 2019 . علي الرغم من الانقسامات الكبيرة داخل المكونات السياسية السودانية وتبايناتها العميقة, إلا أنها تتفق حول عدم امتلاك الحكومة الانتقالية الراهنة بمختلف مؤسساتها التفويض اللازم الذي يتيح لها اتخاذ أي قرار أو موقف جديد في القضايا الأساسية والمصيرية .
استغلال الحكومة الإسرائيلية لحكومة البرهان ذات الشرعية المنقوصة، يكشف الطابع الدعائي والازمة التي يعيشها الائتلاف الحاكم وحاجته لأي انتصار وهمي. لكن آثاره الجانبية لا تصب في المصلحة الإسرائيلية، لا يخفى أن أصواتا فاعلة في المشهد السوداني، في ردة فعلها على العروبة وحكم الإسلاميين الطويل الذي افقر البلاد والعباد نادت علانية بعد الثورة ببناء علاقات ودية مع إسرائيل ، كما ولا يخفى أيضا أن بعض القوى المسلحة الجهوية الكبرى أقامت علاقات مع تل أبيب وفتحت لها مكاتب تمثيلية تحت ذات الذرائع والحجج ، لكنها تجد نفسها الآن في موضع حرج ، أمام دعم إسرائيل المفضوح لأعداء التغيير والذين يمثلون امتدادا لمنظومة الإسلام السياسي . فالتطبيع سيغذي المقولات الإخوانية بعد خسارتهم للسلطة ومعها التيارات العروبية حول المخططات الإسرائيلية التي تستهدف وحدة الأراضي السودانية , وأن التطبيع ليس بمعزل عن التدخلات الإقليمية والدولية لتطويل أمد الأزمة الوطنية في السودان وتعميقها , وما إسرائيل إلا أحد أهم اللاعبين في مشروع تفكيك السودان وضرب سيادته ووحدته الوطنية ، كما حصل تاريخيا في دعم انقسام الجنوب .
• الخلاصة:
‏ التطبيع الكامل بين السودان وإسرائيل صار قاب قوسين أو ادنى من التحقق , فرضته براغماتية عسكر السودان الباحثين عن شرعية الحكم عبر بوابة المؤسسات المالية والدولية , ورغبة إسرائيل في تأمين أمنها القومي من خلال اختراقات دبلوماسية تتيح لها التواجد الأمني بالمنطقة , سينعكس هذا التطبيع سلبيا علي استقرار السودان السياسي والعملية الانتقالية , فهو سيوحد المجموعات السياسية الإسلامية مع المنظومات العربية والقوى القومية واليسارية والوسطية في جبهة واحدة ضد العسكر وشركائهم من المدنيين مما يجعل دائرة الاضطرابات والفوضى السياسية في السودان تدور بلا نهاية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.