لماذا نفعل كل هذا؟

0 127

كتب: جعفر عباس 

.

يعلم الرجال المتزوجون ان البيت مملكة الزوجة، وأنها تسعد بترتيب الأشياء فيه وإدارة أموره بحيث يكون مريحا لأجسام وخواطر من يقيمون فيه، والنساء عموما أكثر حبا للنظام وأكثر اهتماما بالجماليات، ويسعدن عندما توصف بيوتهن بالجمال ربما أكثر من سعادتهن بالتغزل بمفاتنهن، وشخص مثلي يعرف كل ذلك عن زوجته ومع هذا اعترف بأنني وفي أحيان كثيرة أمارس فوضى أعرف أن زوجتي ستتحمل عبء تصحيحها! قطعا لا أفعل ذلك بغرض زيادة أعبائها الثقيلة أصلا، ولكن: لماذا نقوم أحياناً بجرح مشاعر أناس عزيزين لدينا؟ لماذا نرفض اتخاذ مبادرات بسيطة تجعل من نحبهم يحسُّون بأننا نهتم لأمرهم؟ لماذا يصرخ بعضنا في صغاره وهم يمارسون طفولتهم؟ لماذا بعض الآباء على وجه الخصوص يفرضون على الصغار حظر الحركة وحرية التعبير واللعب بمجرد دخولهم البيت: اسكت يا زفت! انقرع يا حيوان! ويريد طفل أن تقوم بتوصيله إلى بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء فننفجر في وجهه: بلاش صياعة وصرمحة والزم البيت! .. لكن يا أبوي.. البو ال ينفخك.. تسكت وإلا أوصلك المقابر؟.. ليه تمشي بيت خالتك؟ الله يخلخل ضروسك.

وقد أعود إلى البيت عشرات المرات محملاً بأشياء يحبها عيالي، دون أن يخطر ببالي أن أشتري لزوجتي شيئاً خاصاً بها! وأحياناً أكتشف أنني أتجاهلها وهي تتحدث معي، وقد لا أفعل ذلك عامداً بقصد إيذاء مشاعرها، ولكنني أؤذي مشاعرها على كل حال بتجاهلها! ولماذا أحادث زميل دراسة هاتفياً مكالمة تكلفني مئة ريال، ويفوت عليّ أن أهاتف أختي التي لا تمر بها ساعة دون أن تفكر في حالي وأحوالي؟ لماذا أشتري سيارة بكذا ألف ريال وأسعد بذلك، ولكنني أقيم الدنيا وأقعدها لأن الولد يطلب سيارة بخمسين ريالاً بريموت كونترول ويجد فيها أضعاف السعادة التي أجدها في اقتناء السيارة أم كذا ألف؟ لماذا “أتعنتر” وأحلف بالطلاق لدفع حساب الطعام الذي تناولته مع أصدقائي في مطعم ويكلفني ذلك مئات الريالات وأتعنتر على عيالي إذا رغبوا في شراء سندويتشات شاورما ببضعة ريالات؟ لماذا أكسر إشارة المرور الحمراء، وأعرض حياتي وحياة غيري للخطر بينما الإشارة ستعود خضراء بعد دقيقتين على أبعد تقدير؟ ولماذا أتعمد مضايقة من يكون خلفي بسيارته ويغمز لي بإشارة ضوئية بأنه يريد أن يجتازني لأنه يتعجل الوصول إلى غايته؟

عيوبي وعيوبكم كثيرة ولكن يا ويل من يحاول أن ينبهنا إليها، أشياء بسيطة لو أخذنا بها في الاعتبار، لطابت النفوس وزال الكدر منها! منا نفر يعتقد أن تحية الناس “اللي تحت” “تنازل” لا يليق بهم، وهؤلاء لا يردون التحية إذا صدرت من شخص يعتبرونه “دون المستوى”، وأعترف بأنني استمتع بتجاهل مثل هذا الشخص الذي يعتقد أنه سيخرق الأرض ويبلغ الجبال طولا، وأعرف أن تجاهلي له “يفقع” مرارته، لأنه يعتقد أنه وحده مخول بتجاهل الآخرين، وإذا كان لي زميل عمل متعنطز فإنني أتلذذ بتذكيره بأنه من تراب. جرب أنت استفزاز شخص مغرور يتعالى عليك وعلى غيرك، ومارس معه العنطزة والاستخفاف، وسيفقد أعصابه ويسألك: أنت ليه شايف حالك ومنفوخ؟ قل له الجملة التالية وسيصاب بانهيار عصبي: أنا ابن من سجدت له الملائكة!! سيصيح مستنكراً: أنت يا مبهدل يا عديم الأصل والفصل؟ قل ببرود: نعم أنا ابن آدم.. تعرف آدم يا جاهل؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.