أمريكا وروسيا: التكالب على أفريقيا (1-2)

0 50

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

قال الدكتور حسن الترابي إن زميلاً له في مدرسة حنتوب الثانوية سعى لتجنيده للحزب الشيوعي. ومن ضمن ما روج به لدعوته كان قوله عن انقسام العالم إلى معسكرين وهما معسكر الرأسمالية والحرب بقيادة أمريكا ومعسكر الاشتراكية والسلم بقيادة الاتحاد السوفيتي. ورد عليه الترابي:
-وأين موقعنا نحن في هذه الجغرافيا السياسية؟
وبدا أننا بحاجة إلى سؤال الترابي النبيه في زحام أمريكا وروسيا منافسة على السودان، أو ما سماه أحدهم “معركة كسر العظم” بينهما، وأفريقيا عامة.
فتزامنت زيارة لوفد أوربي الأمريكي في 9 فبراير الجاري للسودان مع زيارة لسيرغي لابروف وزير الخارجية الروسية له. واختتم الوفد الأوربي الزيارة بتأكيد بيتر لورد، مساعد وزير الخارجية الأمريكية، دعمهم للاتفاق الإطاري الذي انعقد بين قوى الحرية والتغيير (المركزي) وحلفاء له مع العسكريين بوساطة أممية وغربية وأفريقية لقيام حكومة مدنية خالصة لاستكمال الانتقال الديمقراطي.
ودعم لافروف في مؤتمر صحفي مساعي السودان لرفع العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة عليه بعد انقلاب العسكريين في 25 أكتوبر 2021 على الحكومة الانتقالية التي تكونت بعد ثورة 19 ديسمبر 2018. وقال بأنه بحث مع حكومة السودان القاعدة الروسية على البحر الأحمر التي صادقت لهم بها حكومة الإنقاذ بعد زيارة عمر حسن أحمد البشير لروسيا في 2014. وقال البشير يومها من فرط عزلته من الغرب وحصاره له “إن السودان سيكون مفتاح روسيا لأفريقيا”.
لا يخفى على أحد أن أفريقيا تدخل في ذيول حرب أوكرانيا طورها الثالث مما عرف ب”التكالب” عليها من أوربا وأمريكا. كان الطور الأول هو اقتسام أفريقيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وانعقد مؤتمر برلين في 1885 ليضع قواعد لعبة ذلك الاقتسام حتى لا تؤدي نزاعاته إلى حرب أوربية. وكانت الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي هي الطور الثاني من هذا التكالب. وجاء الآن التكالب المشاهد في ذيل الحرب الروسية على أوكرانيا.
تعرض روسيا نفسها لأفريقيا الآن كحليف ضد الغرب بسابقته المعروفة في استرقاق أهلها واستعمارها. وتروج لقبول أفريقيا لها بهذه الصفة بما سماهم أحدهم ب”دبلوماسية الذاكرة”، أي شهادة التاريخ على حسن سيرها وسلوكها حيال أفريقيا. فخلافاً لأروبا خلت صفحة روسيا من إثم الرق الأفريقي. كما تذيع سابقتها، ممثلة في الاتحاد السوفيتي، في الوقفة مع نضالات القارة للتحرر من الاستعمار الأوربي. وتعرض حتى حربها لأوكرانيا اليوم كتحرير للروس من رعاياها وتحرير أوكرانيا نفسها من براثن الغرب.
وتجد عروض روسيا هذه منبراً في شبكة “الإسفير الروسي” الموجه لأفريقيا الذي حصد 80 ألف متابع. وتتغذى من سقم تجرعه كثير من الأفريقيين في مثل مالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر وموريتانيا من فرنسا التي تتلكأ في دعم معركتهم ضد الحركات الجهادية التي ضربت بلادهم. وبلغوا من هذا السقم حد رفع العلم الروسي في احتجاجاتهم أمام السفارات الفرنسية.
وتنتهز صفوة أفريقية في محنة الحكم سانحة هذا العرض الروسي لتثبيت سلطانها. فجنحت الكاميرون أخيراً من صف الغرب لصف روسيا. فقد أثقل عليها الغرب باعتبارات حقوق الإنسان وهي في حرب ضروس ضد جهادية بوكو حرام وثوار منطقة الكاميرون التي كانت تحت الاستعمار الإنجليزي. وتوقفت أمريكا عن دعمها للكاميرون بالنظر إلى خروقها لحقوق الإنسان في هذه الحرب.
ونواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.