تنكر الحركات المسلحة لقضايا جماهيرها

0 68
.
 

     لم نكن نرجم بالغيب في مناقشة تجربة الحركات المسلحة ، عندما أشرنا مع ظهور الحركات ، أن قادة تلك الحركات في تطلعهم للسلطة والثروة يمكن أن يتنكروا لجماهيرهم ولشعارات “التهميش” و”المركز والهامش” فقد تحقق ذلك بعد اتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ومناصب وتكديس للثروة ، وتجاهل تحقيق مطالب جماهير المناطق التي ادعوا أنهم المدافعين عنها وحملوا السلاح من أجل تنميتها.

 اذكر في كتاب صدر بعنوان “قضايا المناطق المهمشة في السودان” ، الشركة العالمية للنشر، 2014م ، للكاتب تاج السر عثمان الحاج ، ناقشت تجارب الحركات الاقليمية والمسلحة التي ظهرت في السودان منذ انفجار التمرد في جنوب السودان 1955م ، ومؤتمر البجا أكتوبر 1958م ، وبعد ثورة أكتوبر مثل : جبهة نهضة دارفور ، اتحاد أبناء جبال النوبا ، اتحاد جنوب وشمال الفونج ، وحركة التمرد الثانية أو الحركة الشعبية في الجنوب بقيادة جون قرنق في يونيو 1983م ، وبعد انقلاب الانقاذ ظهرت حركة تحرير السودان في دافور ، حركة العدل والمساواة ،  تنظيمات أبناء النوبة في الشمال ، وتجمعات أبناء شمال وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وتناولنا نقديا برامج تلك الحركات في الكتاب ، وكانت أهم النقاط هي :

– تم تعريف الحركات الاقليمية والجهوية التي برزت في السودان ، بأنها تلك التي عبرت عن ظلامات مناطقها ، وطالبت بالتنمية في تلك المناطق ، وطرحت ضرورة ازالة كل اشكال التهميش التنموي والثقافي واللغوي وكل اشكال التمييز العنصري.

–  تم نقد مصطلح “المركز والهامش” باعتباره  مضلل ، لأنه في مركز العالم الرأسمالي نفسه ، وعلى مستوى كل دولة يوجد استقطاب طبقي : اقلية من السكان تستحوذ على الثروة ، وأغلبية مهمشة من عاملين بأجر يتعرضون للاستغلال الرأسمالي ، وتستحوذ الطبقات الرأسمالية أو الشركات المتعددة الجنسيات على فائض القيمة منهم ، اضافة للمهمشين من العطالة ، والاقليات القومية والنساء.

 أما في دول الهامش أو الدول المتخلفة فهناك استقطاب طبقي حاد ، حيث تستحوذ أقلية على الثروة والسلطة ، وتعيش الأغلبية في فقر مدقع، كما أن الحديث عن “مناطق مهمشة مضلل” ايضا ، لأنه في داخل هذه المناطق المهمشة يوجد استقطاب طبقي.

 اذن من المهم الفرز والتحليل الطبقي في كل حالة والنضال ضد أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والعنصري والجنسي.

– اضافت الحركات زخما جديدا وحيوية للحركة السياسية بعد ثورة أكتوبر 1964م باعتبارها كانت ظاهرة صحية بعد أن تجاهلت الأحزاب التقليدية مطالبها، عن مطالب ديمقراطية مشروعة ، ولكن نجاح هذه الحركات يكمن في احداث التنمية في مناطقها ، وان يحس الناس ، ولو في لمحة ، انها اسهمت في توفير الخدمات الأساسية في مناطقها مثل : التعليم ، الصحة خدمات المياه والكهرباء ، الطرق والبنيات التحتية .. الخ، اضافة الي الحفاظ علي وحدة البلاد من خلال تنوعها.

 وهذا مالم يحدث فقد تم انفصال الجنوب ، وبعد ثورة ديسمبر تنكرت الحركات التي وصلت للسلطة لمطالب جماهيرها في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان والشرق والنوبة في الشمال ، واصبحت جزءا من المركز الطبقي الحاكم..

  – تفشل هذه الحركات ويذهب ريحها عندما تؤدي الي تمزيق وحدة البلاد والتبعية للخارج بتنفيذ أجندته وتكون اداة للصعود الطبقي لبعض قادتها والانضمام للمركز الطبقي الحاكم ، الذي لاتهمه الاثنية أو العرق ، بل المصالح الطبقية ، وتحقيق اقصي قدر من الفساد والثراء علي حساب الكادحين.  

 هذا ما أكدته تجربة اتفاق جوبا  بتدخل خارجي ، وقبلها الاتفاقات التي ابرمتها الحركات مع نظام الانقاذ وتحولت لمناصب وفساد ونهب محاصصات (اتفاق ابوجا ، الدوحة ، الشرق ، الخ) .

–  الصراع الدائر في السودان ليس اثنيا او عرقيا ، ولكن الصراع الاثني يعبر عن نفسه في شكل صراع طبقي حول اي الطريقين تسلك البلاد؟ : طريق التطور الرأسمالي الذي جربته البلاد لاكثر من خمسين عاما بعد الاستقلال ، ولم نجني منه غير تدهور الأوضاع المعيشية وخدمات التعليم والصحة والماء والكهرباء . الخ ـ والتفاوت الصارخ في توزيع الثروة ، والتنمية غير المتوازنة والاستعلاء الديني والعنصري ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية ، والتهميش التنموي والثقافي واللغوي ، ام طريق التنمية في الطريق الوطني الديمقراطي الذي يكرس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، ويحقق التنمية المتوازنة ويزيل التهميش التنموي والثقافي واللغوي؟.

   –  طريق التنمية الرأسمالية بطبيعته يفرز التهميش بمختلف اشكاله الاقتصاية والثقافية والتفاوت بين المرأة والرجل وفي توزيع الثروة وتعميق النظرات العنصرية والشوفينية لتغبيش الوعي الطبقي للعاملين والكادحين حتي لايستطيعون ان يحددوا اين مصدر الظلم والوعي به ، وبالتالي العمل علي ازالته ، وان الايديولوجية التي تقوم علي الاستعلاء العرقي والديني واللغوي تشكل الغطاء للنهب والاستغلال وسجن الجماهير في حدود مصالح وتطلعات ورؤى المركز الطبقي الحاكم ، وان الايديولوجية التي تقوم علي العنصرية والاستعلاء العرقي تغرق الكادحين في حروب اثنية لن يجني منها الكادحون غير ان يكونوا وقودا لتلك الحروب الدينية والعنصرية كما فعل هتلر وموسوليني في الحرب العالمية الثانية ، وكما فعل نظام الجبهة القومية الاسلامية بعد انقلاب 30/يونيو/1989م بتحويل حرب الجنوب الي حرب دينية حتى تم انفصال الجنوب ، وعمّق الاستعلاء والتهميش التنموي والثقافي واللغوي حتي نهضت الحركات المسلحة في دارفور وشرق السودان وغير المسلحة في الشمال تطالب بحقوقها ومطالبها المشروعة في ازالة التهميش التنموي والثقافي واللغوي . كانت تلك الايديولوجية الاستعلائية هي الغطاء للنهب والثراء باسم الدين وتعميق الفوارق الطبقية في البلاد حتي وصلت نسبة الفقر 95% ، واتخذت الدولة سياسات معادية للكادحين بسحب دعم الدولة للتعليم والخدمات الصحية والخصخصة التي شردت مئات الالاف من الكادحين واسرهم وزادتهم رهقا علي رهق ، حتي اتسع مفهوم التهميش نفسه والذي اصبح يشمل الكادحين من المناطق المهمشة والكادحين في المدن الذي لاتغطي اجورهم تكاليف الحياة اضافة للتهميش الثقافي والاثني واللغوي والجنسي والديني.

2 . اوضحنا عند توقيع اتفاق جوبا أنه لن يحقق السلام المستدام ، لأنه سار علي نهج نظام الانقاذ في الانفاقات الجزئية التي فشلت في تحقيق السلام العادل والشامل وأعادت إنتاج الأزمة والحرب ، وتحولت لمحاصصات ومسارات فجرت مشاكل وصراعات قبلية وعنصرية في شرق وشمال ووسط السودان ، وتنكر موقعوها لشعارات ازالة التهميش ، وعودة النازحين لقراهم ونعويضهم ، وحل المليشيات وجمع السلاح ، وحل مشاكل جماهيرهم ، وتوفير ابسط الخدمات لهم في : التعليم والصحة والمياه والكهرباء ، والخدمات البيطرية وعودة المستوطنين لمناطقهم والمحاسبة والمحاكمات للذين ارتكبوا الجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية .. الخ.

 جاء اتفاق جوبا ، بعد اختطاف المكون العسكري لملف السلام من مجلس الوزراء ، وكان الهدف منه اجهاض ثورة ديسمبر والانقلاب عليها ، وعدم تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية ، بل كان من ضمن البنود تحت الطاولة التي كشف عنها منى اركو مناوي : عدم تسليم البشير للجنائية ، تجاهل التحقيق في مجزرة فض الاعتصام ، عدم قيام التشريعي  .. الخ.

 كما اصبحت بنوده تعلو علي “الوثيقة الدستورية ” في غياب المجلس التشريعي الذي يحق له تعديلها ، حتى تكوين مجلس “شركاء الدم “، ومشاركة قادة حركات جوبا في جريمة انقلاب 25 اكتوبر الدموي.

 وبعد الانقلاب استمروا في السلطة الانقلابية وتحملوا كل اوزارها  رغم الانقلاب علي الثورة !!، بل ساهمت قواتهم في قمع المواكب السلمية والمجازر ضد الثوار،وفي مناطق الحروب.

 كما تدهورت الأوضاع الأمنية جراء وجود الجيوش في المدن ، ونهب ممتلكات المواطنين ومهاجمة مراكز تالشرطة ، وفي دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان بعد اتفاق جوبا ، وبمشاركة قادة جوبا في تلك المجازر ، ونهب الاراضي والمعادن والذهب والحواكير بالابادة الجماعية ، وفشل الاتفاق في تحقيق السلام العادل والشامل ، بل ساهمت مكوناته  في الفوضي ونهب ممتلكات اليوناميد ، والفساد الذي ازكم الانوف والمنشور في الصحف ، وتحول لمحاصصات وجبايات لمصلحة افراد محددين ، ارهقت كاهل المواطنين ، ولم تعود تلك الأموال لمناطق الحروب في التنمية وعودة النازحين لقراهم واعمار مناطقهم.

   اضافة لعدم المحاسبة وتسليم المطلوبين للجنائية ، والمطالبة بحل المليشيات والجنجويد ، بل شاركوا في نهب الاراضي والموارد ، كما في مخطط جبريل ابراهيم لتحويل مشروع الجزيرة الي هيئة ، ومشاركتة في صفقة الميناء “ميناء ابوعمامة” على البحر الأحمر ومشروع “الهواد” للإمارات  ، وخط سكة حديد بورتسودان – أدرى بتشاد ، في غياب المؤسسات التشريعية القومية والولائية بالشرق وفي ظل حكومة انقلابية غير شرعية.

  كل ذلك يتطلب درء  آثاركارثة اتفاق جوبا وفساد قادته الذي ازكم الانوف ، بتقوية وتوسيع المقاومة لاسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي ، والغاء اتفاق جوبا الشائه ، وتحقيق الحل الشامل والعادل في السلام الذي يخاطب جذور المشكلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.