ما وقع بين رفاق السلاح في الغابة والجبل لا يبقى فيهما (1-2)

0 66

كتب: عبد الله علي إبراهيم

.

زار رئيس الحركة الشعبية شمال التي تحتل قسماً من جبال النوبة كأرض محررة عبدالعزيز الحلو القاهرة في 20 مارس (آذار) الماضي للترويج، حسب محمد يوسف أحمد المصطفى، القيادي بالحركة، للإعلان السياسي الموقع بينه وبين “قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية” في 23 فبراير (شباط) الماضي. واعتبر الجانبان فترة الانتقال في إعلانهما منصة لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة بصياغة الدستور الدائم المرتكز على المبادئ فوق دستورية. ويعنون بهذه المبادئ تلك الأصول مثل المواطنة وحقوق الإنسان، مما كفلته الشرائع الدولية المعاصرة، فلا تخضع كمواد الدستور الأخرى للتعديل بأي حال من الأحوال. ومن الأسس الجديدة لبناء الدولة في الإعلان إعادة هيكلة الجيش وفق عقيدة عسكرية جديدة، ودمج قوات الدعم السريع (بقيادة حميدتي) وقوات الحركات المسلحة في الجيش المنتظر. كما تواثق الطرفان على مبدأ التوزيع العادل للسلطة والثروة بين أقاليم البلاد، ورفع التهميش التنموي والثقافي، مع مراعاة التمييز الإيجابي للمناطق التي تضررت من الحروب.
ويعد توقيع الحلو مع الكتلة الديمقراطية التوقيع السادس في حساب توقيعات حركته الشعبية مع طائفة من الرموز والقوى المرموقة على الساحة السياسية السودانية. فكان أول إعلان سياسي للحركة هو ما صدر عنها مع الحزب الشيوعي في يوليو (تموز) 2020. وأعقب ذلك إعلانها في سبتمبر (أيلول) 2020، مع رئيس وزراء الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك حتى استقالته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، لتوقع بعد ذلك إعلاناً مع عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، في مارس 2021، ثم مع الاتحادي الديمقراطي في أبريل (نيسان) 2021، ثم مع حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي (للمرة الثانية) واحداً بعد الآخر في يناير (كانون الثاني) وفبراير من العام الحالي.
استوقف الواثق كمير، زميل الحلو في “المجلس الثوري للحركة الشعبية” على عهد العقيد جون قرنق، تكاثر “الحركة الشعبية” في المواثيق حول قضايا تأسيسية للدولة السودانية مع أطياف مختلفة من القوى السياسية، ممن ربما كان الود مفقوداً بين أطرافها هي نفسها. وبدا كأن الواثق استغرب مراوحة الحلو عند مسألة الحرب والسلام، وهو ما تسعى إليه هذه الأطراف المؤثرة، ولا يجد ما يختلف فيه معها حول قضايا تأسيس السودان الجديد الذي خرج منذ عقود لتنزيله من فوهة البندقية في غالب أمره. فإن انقاد الأمر للحلو كما نرى، في قول كمير، فما الذي يحول دونه ودعوة كل القوى التي تواثقت معه على قضايا تأسيس السودان الجديد، إلى ما سماه “تمرين دستوري” ببلدة كاودا في جبال النوبة المحررة للتواثق على إعلان سياسي جامع يكون بمثابة المسودة لمؤتمر دستوري خاتم تدعو إليه حكومة الوقت.
تستدعي الحركة الشعبية والاتحادي في إعلاناتهما المغلظة الأخيرة ذاكرة عهد سياسي لهما منذ نحو 40 عاماً. وعرف ذلك العهد بـ “اتفاق الميرغني – قرنق” (نوفمبر 1988). والميرغني هو السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي وراعي جماعة الختمية الدينية الغزيرة. وقرنق هو العقيد قرنق زعيم “الحركة الشعبية لتحرير السودان” ومؤسسها. واتفق الزعيمان على تعطيل قوانين سبتمبر 1983، وهي التي أقام عليها الرئيس السابق دولته الدينية في خريف نظامه. ولم تنجح الحكومة الانتقالية التي خلفته بعد سقوطه في عام 1985، ولا الحكومة المنتخبة في 1986 في إلغاء تلك القوانين بوجه “الجبهة القومية الإسلامية” بزعامة حسن الترابي التي أقامت الدنيا دفاعاً عنها. لم تثنها المعارضة العريضة لها ومن “الحركة الشعبية” خصوصاً بالطبع. وجاء اتفاق الميرغني – قرنق بحل وسط هو تجميد تلك القوانين حتى انعقاد مؤتمر دستوري لتأسيس دولة سودانية أخرى. وهو المؤتمر الذي لم ينعقد بسبب انقلاب “الجبهة القومية الإسلامية” التي وقفت بقوة ضد اتفاق الميرغني – قرنق. وقامت بانقلاب 1989 لما وجدت نفسها معزولة بسبب التحالفات السياسية التي ترتبت على تلك الاتفاقية. ثم كانت علاقة الحزب والحركة خلال معارضتهما معاً “نظام الإنقاذ”. وما إن وقع الحلو إعلانه مع الميرغني حتى وصف قيادي بالحركة الإعلان بأنه “مواصلة النهج التاريخي الذي تبناه الطرفان لمعالجة قضايا البلاد منذ عام 1988 بمبادرة السلام السودانية”.
بدا لي أن دعوة كمير للحلو أن يكون في واسطة عقد الحل للمسألة السودانية إما متفائلة، أو في غير مكانها. فإن كانت لسابقة وفود الميرغني لقرنق في 1988 من دلالة فإنها عن تكتيكات الأحزاب السياسية بأكثر مما هي عن عقيدة جدية تطرأ للواحد منها عن مخرج للأمة من محنتها.

ونواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.