“لا للحرب” لا تعني التفرج على الحرب حتى تضع أوزارها
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
فهمت على زملائنا في الدعوة “لا للحرب” وإن توقعت منهم موقفاً من الحرب أكثر تعقيداً من مجرد التماس وقفها والعودة إلى سكة السلام بالاتفاق الإطاري. وهذا تمن للحرب أن تنقشع ككابوس مزعج نصحو منه على شمس الإطاري وكأن الحرب، التي تفجرت في ساحته، لم تكن. ويطرأ لهؤلاء الزملاء مع ذلك تبسيط للحرب الناشبة بنسبتها بقضها وقضيضها لمؤامرة فلولية لو لم تقع لما كانت. ولما انكسرت الجرة واندفق السمن.
لن يزد “لا الحرب” حملته هؤلاء من كونهم “دعاة سلام” (pacifists) وهي تعريفاً من يعتقد ألا مشروعية للحرب والعنف. وهي دعوة صالحة لكل حرب. واكتنفت كل حرب منذ الأزل. ومن السلاميين الأخلاقيون والعمليون (براغماتيون). فالأخلاقي السلامي لا يرى مسوغاً أخلاقياً للحرب بينما يرى العملي أن كلفة الحرب فادحة بحيث وجب إتباع الطرق السلمية لحل النزاعات.
ومع ما يبدو من أن دعوة “لا الحرب” القائمة ليومنا براغماتية إلا أنها أقرب للأخلاقية منه للأخرى. فجهدهم الحالي منصرف إلى الوساطة لوقف الحرب لأنها قضت على الأخضر واليابس. ولكنك لا تجدهم واقفين عملياً، أو براغماتياً، على حقائق أوضاع في الحرب تفاقم التكلفة التي هي الأصل في دعوتهم للسلمية. وأعني بذلك إنهم لا يقفون عند منعطف أو آخر في الحرب اشتط فيه فريق أو أخر من المتحاربين وساق بفعلته تكل إلى مأزق فادح كان بالوسع تجنبه وتقليل خسائر الحرب بالنتيجة حتى قبل أن يصطلح الطرفان، ويطويا صفحة الحرب.
ومتى وقف زملاؤنا هؤلاء مثل هذه الوقفة كانت لاستنكار فعل من القوات المسلحة في مثل طلعاتها الجوية وخسائرها على الأرض. ووجدتني أحصر ما كان يمكن لهم استنكاره من أداء الدعم السريع غير أنهم مروا به من غير تعليق رسمي.
فلم يثيروا تجنيد الدعم السريع لصبيان دون البلوغ بكثرة في صفوفهم وبين ضحاياهم. كما لم يشجبوا اتخاذ الدعم السريع أحياء الخرطوم ساحة لحربهم بعد إخلائهم من معسكراتهم. فاحتلوا الدور بعد طرد أصحابها لمواصلة القتال كقناصة. ناهيك عن احتلال مستشفى الخرطوم مثلاً وإفراغه من الخدمة، أو احتلال محطة المياه الرئيسية في بحري، وأمية الكهرباء العظمى في كافوري ككسب حربي مشروع لترويع المدينة وتركيعها.
ولم تقم وسط زملائنا هؤلاء جهة للتحقق من ضروب من العنف داخلة في باب تكاثر تكلفة الحرب التي يحتج السلامي من شاكلتهم عليها طلباً لوقفها. فتواترت الأنباء عن احتلال قوة عسكرية للمعمل المركزي في الخرطوم بغير تسمية لهذه القوة بما ذكرني يوم ضُبطت طائرة محملة بالمخدرات لحركة مسلحة ولم يجرؤ أحد على تسمية الحركة المعروفة بالاسم وبنوها على المجهول. وهذا احتلال لا يعطل عمل مركز في خطر خدمات المركزي، بل ينذر بالويل إن أخرج استخدامه المجازف أثقاله في المدينة. كما تعرضت طائرة تركية بالأمس للضرب ضرباً تناكره الطرفان. وأخرج ذلك الضرب الطائش مطار وادي سيدنا من الخدمة وهو الذي كنا ندخره لتلقي الإعانات العالمية متى فرغت الأمم المتحدة وغيرها من مساعي الصلح وإنهاء الحرب إلى حقيقة تطاول الحرب ووجوب اسعافنا وهي مشتعلة حتى يفرج علينا الرب. رغبت لو خرج سلاميونا بتعيين الجهة التي لم تتقيد بطيشها في هاتين الحالتين أو غيرهما حتى بقواعد حرب المدن العالمية وأعرافها.
دعني أقول لكم يا زملاء اجتهادي في توقفكم دون الصدع برأيكم في استنكار ممارسات الدعم السريع دون القوات المسلحة. فمؤاخذتي هذه عليكم قديمة تعود إلى منتصف الثمانيات. فأنتم، في حسن ظنكم بالمسلحين دون الجيش، الذي هرى الوطن منذ 1958 بحكم الجور والعسف، تعطون هؤلاء المسلحين وإن بغوا هامش الشك إذا صحت تعريباً ل”the benefit of the doubt” فلم تستنكروا (سوى الحزب الشيوعي) احتلال الحركة الشعبية للكرمك في 1987 في تصعيد لا مبرر له. ولم تستنكروا غزوة “الذراع الطويل” لأم درمان في 2008 وإن نهضتم للدفاع عن أسراهم وضحاياهم. ولم تصدر منكم نأمة احتجاج على تصعيد الجبهة الثورية للحرب في أب كرشولا والله كريم وأم روابة في 2013. ولم يعنكم التكلفة الفادحة لصراع الحركات المسلحة، ممن تسمونهم المقاومة المسلحة، بين أطرافها نفسها، أو بين بعضها البعض، أو حيال المواطنين في أراض تحت سيطرتها، أو حتى ارتزاقها الفاضح في ليبيا.
أخذت عليكم اعتزال ذلك العنف المبالغ فيه من الحليف وكأنه لم يكن. وكأن كشفه ونقده سوء أدب معه. وأرجو مخلصاً هذه المرة ألا تتأخروا عن استنكار ما استحق الاستنكار من أداء مسلحي الهامش في الدعم السريع ناهيك عن توظيف كل علاقة لكم بهم لنصحهم دون الاشتطاط في الحرب اشتطاطاً يفاقم من معاناة الناس حتى يفرج الله عليهم.