جيل الخيبات الجسام

0 170
كتب: جعفر عباس
.
نحن من قال عنهم شاعرنا الفذ محمد المكي إبراهيم، إنهم جيل البطولات الذي التقى بجيل التضحيات، ليصنع المعجزات، فتشتعل “الحقول قمحا ووعدا وتمني” وتنفتح أمامه كنوز الأرض وكان ذلك في أكتوبر 1964، مع سقوط حكم عبود الذي قال فيه شاعر مادحا “عبود يا جبل الحديد/ ومعقل الرأي السديد”، بينما قال فيه آخر قادحا “ولدت سفاحا فما أنت حر/ فواجه مصيرك او فانتحر”، ورحل عبود وصحبه، وبدأت لعبة الكراسي بين عدد من الطواويس وجِمال الطين، وظلوا في “حا” و”تُر” حتى جاءنا نميري، وهتف الطلاب “نحن الطلبة سلاحنا الطوب/ لن يحكمنا طيش حنتوب” ولكن طيش حنتوب “حكم ميتينا ذاتهم” 16 سنة حسوما، وكان في خدمة نظامه “أوائل” حنتوب وخور طقت ووادي سيدنا، ثم كانت انتفاضة ابريل 1985، وقال لنا شاعرنا الحبوب المحبوب ود شريف محجوب، إننا سنبني “وطن عاتي وشامخ وديمقراطي” وفيه سيكون “مكان السجنِ مستشفى/ ومكان المنفى كليّه/ مكان الأسري ورديّهة/ مكان الحسره أغنيّة/ مكان الطلقة عصفورة/ تحلق حول نافورة/ تمازح شفع الروضة”، وراح نميري، وتكالب المزيد من الطواويس وجمال الطين على الكراسي، و”حيكومات تجي وحيكومات تغور/ لا تيراب وصل لا بابور يدور” كما قال ود البلد البارع حميد على لسان عمنا عبد الرحيم، فجاءهم هادمو اللذات ومفرقو الجماعات، الكيزان، وتحكروا في الكراسي واحتكروها وأذلوا العباد ونشفوا ريق البلاد، فشكلت أحزاب المعارضة جيوشا لتحرر الوطن من قبضتهم انطلاقا من اريتريا، وفرفرت تلك الجيوش لبعض الوقت، ثم جاء قادتها أفواجا ليدخلوا في ملة حكومة الكيزان، بزعم “المعارضة من الداخل”، وبقي الكيزان في فاره الدور والقصور 30 عاما صار خلالها الملايين صرعى “كأنهم أعجاز نخل خاوية”، ثم جاءت ثورة ديسمبر 2018 كأجمل وأنبل ما يكون الإبداع الثوري، وجاءت الفرحة “سقطت، سقطت يا كيزان”، ثم آلت الأمور الى البرهان وولد حمدان وظهرت على المسرح أسماء كأنها تخص الجان: أردول وعرمان وسلك وتِرك، ومناوي وكضباشي وهاجة ونمو وقحت وهجو وعسكوري وصندل والموزاب، حتى لتحسب انهم من قال فيهم كاتبنا الجهبذ الطيب صالح: من أين أتى هؤلاء، بل من هم هؤلاء؟
ثم انفرد المدرب عبد الفتاح البرهان بمساعدة الكابتن ولد حمدان بالمرمى، ولكنهما عجزا عن تسجيل الأهداف، واستخدما القنابل المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي والحقيقي، ضد “جماهير الملعب” الرافضة لأدائهما البائس، ثم رأى الكابتن أن أداءه سيكون أفضل لو تخلص من المدرب، بينما رأى المدرب أن الكابتن لا يطبق توجيهاته و”الشَكْلة ولَّعت وما زالت مُدَوِّرة”، والجماهير موعودة بحكم برهاني شمولي، او حكم دقلوقراطي شمولي، أو بأن تدفع ثمن ثورة تكميلية جديدة
جيلنا كان فاعلا في كل ذلك وشاهدا على كل ذلك، فاعلا في الخيبات المتتالية ثم شاهدا عليها، جيل متعوس ومنحوس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.