المستثنى بـ”إلا”

0 92

كتب: عثمان ميرغني

.

البيان الختامي لـمؤتمر (القوى الديموقراطية المدنية “تقدم”) بأديس أبابا في يومي 25-26 أكتوبر 2023 أسس لـ”تحالف التحالفات” حيث جمع في كيانه “تحالف تحالفات” مهنية ومجتمعية وحزبية وفتح الطريق نحو حوار سوداني ممهور بالعبارة التقليدية “إلا المؤتمر الوطني” وتوابعه..و دون النظر لتفاصيل البيان فإن تكوين هذا التحالف يتسق مع الرؤية القائلة بضرورة أن يكون سودان ما بعد 15 أبريل 23 مختلفا عن ما قبله، فحتى التحالفات السياسية تتطلب التجديد، ومنهج تفكير سياسي جديد.
ومن المطلوب أن يشمل التغيير الحاجة لعبارة “إلا المؤتمر الوطني” في بيانات القوى السياسية والتي ظلت سائدة منذ فجر الاطاحة بالنظام السابق، وترتفع وتيرتها دائما عند المحكات والأزمات التي غالبا توجه أصابع الاتهام فيها للمستثنى بـ”إلا” وتوابعه.
و خارجيا، تعتمد دول و منظمات مبدأ “إلا المؤتمر الوطني” بل وتبني تواصلها مع المكونات السودانية من هذا المنطلق، بينما دول ومنظمات أخرى ربما تتجاهل هذه العبارة “إلا المؤتمر الوطني” تغافلا لا تغاضيا عنها، فلا تبني سياسات علنية عليها لكنها تتمثل قول الشاعر:

و للنفس أخلاق تدل على الفتى .. أكان سخاء ما أتى أم تساخيا

و بين فرقعات القنابل و رعد القذائف بعد اندلاع “حرب الخرطوم” في 15 أبريل 2023 لم يجد قائد الدعم السريع مدخلا سياسيا أقوى لاستثارة الشعب خلفه من الاشارة للمستثنى بـ”إلا” بل ولمزيد من تسعير نيرانه استعان بذكر أسماء اثنين من قياداته”كرتي وأسامة عبدالله” باعتبار أن مجرد ابراز هذا الربط يكفي لاثارة غبن متراكم لأكثر من 30 سنة، فيرفد الحرب بوقود أخلاقي هائل.
ما الذي يمنع – في سياق تعافي عام- أن تبلغ الشجاعة بالمؤتمر الوطني أن يعتذر للشعب السوداني على رؤوس الأشهاد، ويقر بأن ثورة ديسمبر كانت قرارا و حُكما من الشعب السوداني بنهاية المؤتمر الوطني وحقبته الثلاثينية، ثم يعلن حل نفسه بنفسه ليمسح الحاجة المستمرة لأداة الاستثناء “إلا”؟

الأمر هنا لا يحمل معاني النصر والهزيمة بقدرما ينظر لوطن مزقته المعارك السياسية فالدماء التي سالت في معبد السياسة منذ الاستقلال حتى اليوم تعادل 30 ضعف من قتلهم المستعمر منذ معركة كرري في الجمعة 2 سبتمر 1898 إلى فجر يوم الاستقلال في الفاتح من يناير 1956.
مطلوب من المؤتمر الوطني أن يفتح الباب لاصلاح الملعب السياسي المثخن بالجراحات التي تأبي أن تلتئم، أن يمسح اداة الاستثناء “إلا” طوعا وبيده لا يد عمرو.. فيصبح لا حاجة للعبارة “إلا المؤتمر الوطني” إذ يصبح غير موجود وتطوى صفحته.. فالأمر هنا ليس مجرد اعلان زوال حقبة و بروز حقبة جديدة فحسب، بل هو اعتذار عن حكم حصري رفضه الشعب.

الشجاعة ليست مجرد اقدام على الموت في المعارك العسكرية، بل أكثر من ذاك اتخاذ القرارات الكبيرة من أجل المصالح القومية الأكبر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.