مؤتمر القضايا الإنسانية في السودان

0 155

كتب: د. الشفيع خضر سعيد

.

ضمن فريق مركز «فكرة للدراسات والتنمية» ساهمتُ مع مجموعة من المنظمات المدنية السودانية في تنظيم مؤتمر عالمي عقد في القاهرة خلال الفترة من 18 إلى 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بهدف معالجة التحديات التي تواجه تقديم المساعدات الإنسانية بشكل فعال لأكبر أزمة إنسانية في العالم بعد مرور سبعة أشهر على اندلاع الحرب في السودان. ولقد رأيت من المفيد أن أشرك القارئ في التعرف على بعض من ملامح هذه التجربة الجديدة.
في البدء أكد المنظمون أن المؤتمر لا يهدف إلى حشد الدعم المادي أو العون الإغاثي، وانما لتحقيق عدد من الأهداف منها: تشريح الوضع الإنساني الحالي في السودان بشكل حقيقي ومباشر، استكشاف ودراسة التحديات التي تعيق فعالية تقديم المساعدات الإنسانية وكيفية التغلب عليها ودعم التنفيذ السلس والفعال لمبادرات المساعدات الإنسانية، تعزيز الجهود التعاونية والتنسيق بين منظمات الإغاثة الوطنية والدولية من خلال إنشاء منصة للحوار والتنسيق المفتوح، تقديم حلول عملية مملوكة للسودانيين لمواجهة أي تحديات تعيق إيصال المساعدات، ومعالجة التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في الاستجابة للأزمة.
أكثر من مئة مشارك في المؤتمر حضروا من داخل السودان ممثلين لغرف الطوارئ وللمبادرات العاملة في المجال الإنساني في كل ولايات السودان، كما شارك ممثلون للاجئين السودانيين في دول تشاد واوغندا وكينيا وأثيوبيا وجنوب السودان ومصر. أيضا، شارك في المؤتمر خبراء سودانيون من شتى مجالات العمل العام، بالإضافة الى مئة واثنين مشارك ومشاركة من منظمات الإغاثة الدولية وهيئات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الدولية الأخرى العاملة في السودان. وخاطب المؤتمر، عبر الإنترنت، عددا من القيادات والشخصيات العالمية المرموقة. كافة المسائل التنظيمية واللوجستية والمحاسبية للمؤتمر تكفلت بها شركة إنوفيشن المصرية بتمويل من دولتي النرويج وبريطانيا. وكما جاء في بيانه الختامي، فإن المؤتمر لم يكن مجرد حدث احتفالي ينتهي بانقضاء مراسمه، بل هو بداية لعملية مستمرة نتمنى أن تتكامل مع كافة الجهود الاخرى، ونأمل أن تتجسد ثمارها قريباً على أرض الواقع في شكل وسائل فعالة لتنشيط الاستجابة لمواجهة هذه الأزمة الكارثية في السودان.
غطت توصيات المؤتمر مجالات الحماية الاجتماعية، الصحة، التعليم، الأمن الغذائي، الانتهاكات الجنسية والعنف ضد المرأة خلال الحرب، والتنسيق وتكامل الأدوار بين الجهود العالمية والمحلية. وسيعكف فريق عمل متخصص على إعداد ونشر تقرير متكامل بهذه التوصيات فور الإنتهاء من تصنيفها وتدقيق صياغتها، بالإضافة إلى رسم خطة عملية لكيفية تحقيقها على أرض الواقع، وذلك عبر التنسيق الوثيق والمباشر بين غرف الطوارئ والمبادرات القاعدية في السودان وبين المنظمات الدولية المعنية. وستتضمن هذه الخطة، التي سيتم مشاركتها مع جميع أصحاب المصلحة، تقييمًا تفصيليا للمتطلبات والجداول الزمنية المقترحة وإطارًا منطقيًا لتنشيط الاستجابة للأزمة الإنسانية في السودان.

حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية إليهم، ليست مسائل قابلة للتفاوض، بل هي حقوق كفلتها القوانين الإنسانية الدولية واتفاقيات جنيف مكفولة للمدنيين في حالة الحرب

واختتم المؤتمر أعماله باستعراض لبعض النقاط التي يمكن أن تساعد في تشكيل الطريق إلى الأمام، قدمها د. أمجد فريد، المدير التنفيذي لمنظمة «فكرة» ومقرر اللجنة التحضيرية للمؤتمر، جاء فيها:
أولا، إن حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية إليهم، ليست مسائل قابلة للتفاوض، بل هي حقوق كفلتها القوانين الإنسانية الدولية واتفاقيات جنيف مكفولة للمدنيين في حالة الحرب. فليس مقبولا السماح للأطراف المتحاربة بالتفاوض على ما توافقت عليه الإنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ أن ذلك يمنحهم الفرصة لاستخدام المساعدات الإنسانية كسلاح وكورقة ضغط للمناورات السياسية ولتحقيق مكاسب عسكرية. كما يجب عدم السمح بأن تستخدم المساعدات الإنسانية لتحقيق أي مكاسب سياسية أو أن تكون ورقة مساومة لدى أي جهة، محلية أو إقليمية أو دولية.
ثانيا، ترتيبات تقديم المساعدات الإنسانية يجب أن تكون منفصلة ومستقلة عن جميع المناقشات العسكرية والسياسية، كما يجب أن تتم على الأرض في الداخل، وليس من الخارج أو بالوكالة. فمنظمات الإغاثة الدولية يتعين عليها أن تكون حاضرة في مناطق النزاع وأن تجري اتصالات مباشرة مع الأطراف المتحاربة على الأرض لضمان وصول المساعدات الى من هم في حاجة اليها. كما أن وجود هذه المنظمات على الأرض سيوفر بعض الحماية للمدنيين حيث أن الأطراف المتحاربة ستتجنب ارتكاب نفس المستوى من الانتهاكات أمامهم.
ثالثا، في ترتيبات إيصال المساعدات الإنسانية، يجب ضمان تمثيل المدنيين من أعضاء غرف الطوارئ، والمبادرات الشبابية الأخرى، والنقابات المنتخبة، والجهات الأخرى الموجودة والفاعلة على الأرض، على أن تظل حماية وتمكين هذه الجهات القاعدية الفاعلة على رأس قائمة الأولويات.
رابعا، التوطين، بمعنى من الاستحالة التخطيط لعملية معونة إنسانية فعالة دون أن يكون المتطوعون المحليون وغرف الطوارئ والكيانات القاعدية الأخرى وتجاربهم والدروس المستفادة من الأشهر السبعة الماضية في قلب العملية. فهولاء كانوا أول المستجيبين فور اندلاع الحرب، وأظهروا شجاعة وإبداعا لا يصدقان في الاستجابة للأزمة، إذ قاموا بإجلاء المحاصرين في مناطق القتال، وفتح الممرات لإيصال المساعدات، والمساعدة في إعادة فتح وإنشاء المرافق الصحية، وتوصيل الغذاء والمياه والاحتياجات الأساسية. وفي هذا الصدد نقترح إنشاء آلية تنسيق تكون بمثابة منصة للتعاون الفعال ورابط مستدام بين المبادرات المحلية والفاعلين الدوليين. وسيخدم هذا أيضًا غرض تسهيل تبادل المهارات والمعلومات بين مختلف الجهات الفاعلة. ومن ناحية أخرى، لابد أن تكون منظمات الإغاثة مرنة ومنفتحة للتعلم من الخبرة العملية. وفي ظل اوضاع السودان الراهنة، لا يمكن أن يكون العمل الإنساني روتينيًا ويجري كالمعتاد.
خامسا، اللامركزية، فالسودان مترامي الأطراف، والصراع يغطي منطقة شاسعة بينما تختلف الاستجابات حسب المناطق المختلفة، اعتمادًا على الظروف المحلية. لذلك، فإن محاولة إضفاء الطابع المركزي على الجهود الإنسانية، وخاصة تلك التي تبذلها غرف الطوارئ، لن تؤدي إلا إلى تقليل فعاليتها.
سادسا، ومن الركائز الأساسية المهمة والضرورية ضمان استمرار غرف الطوارئ في الحفاظ على حيادها، بعيدا عن أي ظلال سياسية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.