إجتماعات الكتلة الديمقراطية في ارتريا الخلاف الارتري الاثيوبي يلقي بآثاره الضارة على الصراع السوداني
تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
مقدمه:
شهدت عاصمة دولة أريتريا – اسمرا- إجتماعات لعدد من القوي السياسية والمدنية , اضافة لشخصيات اعتبارية سودانية , وذلك باستضافة من الحكومة الارترية , أبرز المشاركين: تحالف الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية الذي يتكون من الحزب الاتحادي الديمقراطي الرسمي , حركتي مناوي وجبريل ,مجلس البجا بقيادة ترك و الجبهة الشعبية المتحدة برئاسة الأمين داؤود ، وقوى النظام القديم ممثلة بالتيار الإسلامي العريض , أبرز قياداتها التيجاني سيسي وبحر ابوقردة ، وحزب الامة القومي تيار الفاضل مبارك وممثل عن حزب الأمة ، بلإضافة للواء عبد الرحمن الصادق المهدي الذي اعلن انه ممثلا بصفته الشخصية في اعقاب الفوضى التي عاشها الحزب العريق بسبب مشاركة مساعد الرئيس للشؤون القانونية إسماعيل كتر .
عقدت الاجتماعات برئاسة جعفر الميرغني، نجل المرغني ورئيس الحزب الاتحادي المحسوب علي الجيش والنظام القديم. علما ان الحزب منقسم الى أربع أحزاب.
تهدف الاجتماعات وفق إفادات طه جعفر الناطق الرسمي باسم التحالف، مناقشة سبل وقف الحرب وفق آليات محددة، والإعداد لحوار سوداني، لكن المضمر على اجندة الاجتماع، هو تشكيل حكومة طوارئ يكون للقوى الحليفة للبرهان المدنية والمسلحة حصة الأسد.
الدور الارتري في السودان
للعاصمة الارترية مكانة راسخة في الذاكرة السياسية السودانية , حيث شهدت تكوين التجمع الوطني المعارض ونشاطه المسلح ضد حكومة الإنقاذ في سنواتها الاولى , والتوقيع علي ميثاق أسمرا للقضايا المصيرية بحضور رموز النضال الوطني السوداني عام 1995, والذي شخص الأزمة السودانية وصاغ برنامج وطني لحلها , وهو ما تحاول بعض القوى السياسية والمدنية المجتمعة الان في ارتريا توظيفه في معضلتها الوطنية , وذلك لتصنيفها في الشارع السياسي كقوى داعمة للجيش وعلاقتها مع الإسلاميين وعناصر النظام القديم وتسعي لعودتهم للسلطة مرة أخرى .
وبعد انتهاء الخلاف مع حكومة الجبهة الاسلامية نجحت اسمره في رعاية اتفاق سلام شرق السودان، وهي اتفاقية تم توقيعها بين حكومة السودان وجبهة شرق السودان، في أكتوبر عام 2008، والتي انهت ثلاثة عشر عاماً من العمل المسلح على الحدود الشرقية للبلاد. كما لعبت الحكومة الارترية دورا في ملف اقليم دارفور من خلال استضافتها لعدد كبير من الحركات الدارفورية المسلحة.
من خلال هذه الادوار ، تمكنت الحكومة الارترية من اقامة علاقات وثيقة مع كل الاطراف السودانية، كما حافظت على الوقوف مسافة واحدة معها ، واسست على تلك المعطيات استراتيجية ادارت من خلالها اغلب ملفات علاقاتها الخارجية. فالسودان كان هو البوابة التي اعاد من خلالها أسياسي ترتيب علاقاته مع العالم العربي بعد الحرب الحدودية التي اندلعت مع اثيوبيا في العام 1998، والسرعة التي تم بها ترميم العلاقات مع السودان يعود الي عامل وهو ان الشريحة المهيمنة في السودان من ابناء الشمال النيلي تفضل استحواذ ابناء الهضبة من المسيحيين على السلطة في ارتريا لان ذلك سيحد من التأثير الذي يمكن ان تلعبه القبائل المشتركة بين غرب ارتريا وشرق السودان في زحزحة هيمنتهم على الحكم. وهذا الغياب للمركز افسح المجال امام ارتريا لكي تلعب دورا مفصليا في قضايا الشرق وتنجح في كسب ولاءات القيادات والاهلية والسياسية فيه. هذا الترتيب قاد الي الكشف عن استراتيجية في العلاقات الخارجية لارتريا والتي تقوم على إنعاش المصالح المشتركة مع العالم العربي عندما تدخل العلاقات مع اثيوبيا نفقا مظلما ، مثلما حدث بعد الحرب الحدودية. وهذا الحضور الارتري في شرق السودان على أهميته الاستراتيجية لأمن السودان ودول الجوار جعل من حكومتها الحليف المفضل لقطر، التي كانت تعسي حينها لتحقيق شراكات مع الدول على طول الساحل الغربي للبحر الاحمر وصولا الى الصومال.
تحليل:
اختيار المكان له علاقة بحضور ارتريا الكبير في الشرق، وموقفها الدبلوماسي الداعم للجيش في حربه ضد الدعم السريع ورفضه لمجهودات مبادرة الآلية الرباعية للايغاد , ويسعي البرهان وداعميه من بعض القوى السياسية والمدنية الي خلق مركز إقليمي مواز لنشاط قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا , التي تشهد توترا سياسيا خفيا مع ارتريا تعود أسبابه الى اتفاقية التغراي في جوهانسبيرج – جنوب افريقيا ، وتمرد قوات الفانو الامهرية ضد الحكومة والمدعومة من اسمرة كما تدعي أوساط اثيوبية .
تجسد منطقة شرق السودان مثلث تلاقي مخاوف جنرالات القرن الافريقي من فقدان سلطتهم، البرهان وابي احمد وأسياس أفورقي , ليس فقط بسبب هشاشة الأوضاع الأمنية وتواريخ التمردات العسكرية , ولكن أيضا لقابلية تأثرها بالعوامل الخارجية للنزاع المسلح علي حدودها بحكم تداخل قبائلها وبسبب التنافس علي الموانئ البحرية والسدود المائية . علي الرغم من طبيعة الصراع المسلح بين الجيش والدعم السريع والتي تجعله أزمة سياسية سودانية، الا أن تطاول أمده واتساع رقعته، جعلت منه زلزالا تتجاوز تصدعاته الداخل السوداني وتلقي بظلاله على دولتي اثيوبيا وارتريا. بالنسبة لاثيوبيا فقد تحولت اهمية مناطق شرق السودان من صراع على اراض زراعية خصبة كانت تدير من خلالها توازنات قوى في الهضبة الحبشية الي عمق يحمل مقومات اطالة امد الصراع مع قومية الامهرا التي بات القضاء على شوكتها ضرورة ملحة لبناء مشروع اثيوبيا الجديدة، فالقضاء على مليشيات الفانو لن يتحقق دون التحكم في ادارة تلك الاراضي وتقويض كل الصلات بين ملاكها ومزارعيها وبين مليشيات الفانو وهو الذي سيترتب عليه حرمان الفانو من مصدر مهم للدخل الي جانب حرمان الفانو من سردية مهمة وهي حمايتها للمزارعين أبناء قوميتهم . الصراع مع هذه الميليشيا القومية يضع حكومة ابي احمد في مواجهة مع الحكومة الاريترية، ولان التفاهمات الارترية الاثيوبية والتي قادت الى التحالف ضد جبهة تحرير تيغراي، لم تحقق هدف الحكومة الارترية في القضاء على خصومها، كما انها لم تحقق للامهرا الضلع الثالث في التحالف ضد التيغراي هدف التخلص من نظام الفيدرالية الاثنية واعادة الدولة المركزية . كما لم تحقق لهم هدف ضم الشريط الممتد من اقليم الامهرا على طول الحدود مع السودان وصولا الي ارتريا والمعروف بمنطقة غرب تيغراي، وتحتم عليهم الدخول في معارك تدور رحاها الان مع القوات الحكومية للدفاع عنها، وهي الحرب المرشحة الى مواجهة عسكرية مباشرة اثيوبية – ارترية. وما يظهر الان من مواقف من الطرفين هي مقدمات يحاول كل طرف عبرها التموضع في عمق الصراع السوداني وقطع الطريق على الطرف الاخر.
خلاصة
تمثل أسمرا استراتيجية دفاعية مهمة للبرهان الذي يتخوف من تمدد الدعم السريع في الشرق , خصوصا بعد تنامي معلومات عن تواصله مع مجموعات من قبائل البني عامر والرشايدة , ورواج استعداده للسيطرة علي ولاية الجزيرة ونقله المعركة لولاية القضارف في الشرق , الولاية المتاخمة لأثيوبيا , والتي تمثل أهمية لنظام أبي أحمد في تأمين سد النهضة والحد من نشاط قوات الامهرا في الفشقة وقطع الطريق أمام خطوط امدادها الخارجي , في ذات الوقت , يتحسب اسياس أفورقي لردود أفعال التغراي ومن احتمالات نشوء معارضة مسلحة له والتي بدأت ارهاصاتها الشعبية بالخارج مع توفر كل العوامل الإقليمية لانطلاقها في الداخل , الامر الذي يدفعه للاقتراب أكثر من الملف السوداني الذي سيؤمن له الحضور في تسوية إقليمية شاملة للنزاع تحافظ علي مصالحه , وفي ذات الوقت توفر له تحييد القبائل المشتركة “البني عامر والحباب” وتوظيفها ضد معارضة قومية التغراي المسيحية , في استغلال للتباين الاثني والديني والثقافي . وهذا الطموح في امتلاك اوراق قوية لحل الازمة السودانية قد يدفعه الي محاولة انعاش الاستراتيجية التي اتبعها في علاقاته بالعالم العربي والتي اشرنا اليها، وفي هذه الحالة قد يكون مضطرا الي اللجوء للقاهرة كبوابة سياسية تجمعه معهم المصالح المشتركة والى الدوحة التي قد تجد ضالتها في تحقيق عودتها الى منطقة البحر الاحمر .