(بري).. منطقة (الثورة) وملجأ الثوار.. احداث وشهداء
الخرطوم – السودان نت
ظلت منطقة “بري” بأحيائها المختلفة وهجاً صاخباً للثورة منذ انطلاقتها في ديسمبر من العام الماضي، وكانت بؤرة ساخنة لم تهدأ أبداً إلا بسقوط النظام. وشهدت المنطقة سقوط عدد من الشهداء أبرزهم الطبيب المسعف “بابكرعبد الحميد” والطالب “الفاتح النمير” و”معاوية بشير خليل” الذي فتح منزله لإيواء المتظاهرين، وفيها تم تصوير التصدي للمتظاهرة “رقة” ببسالة للغاز المسيل للدموع، وللمنطقة تاريخ طويل في مناهضة النظام البائد. وتواصل كفاح أهالي “بري” إلى يوم السقوط، وحينما اشتد القمع على المواكب أصبحت “بري” الملاذ الآمن للثوار للتعبير، خاصة عندما يتم فض المواكب، وسرعان ما يتجمعون في ميدان “بري” الدرايسة الذي يتوسط المنطقة، وأصبح أيقونة للحراك الشعبي بسبب كثافة المظاهرات والاعتصامات الناجحة فيه، ولنجاح المتظاهرين فيه في منع القوات الحكومية من دخوله وإجبارها على الفرار عدة مرات.
وتعتبر “بري” التي تقع شرق الخرطوم من الأحياء التاريخية والقديمة، لكنها عانت من ضعف للخدمات وتحول مواطنيها إلى ضحايا للرأسماليين الجدد الذين حصلوا على الأراضي، وشيدوا فيها المباني الصخمة. ويرى كثير من المحللين السياسيين والعسكريين أن أسباب تصدر مدينة “بري” للمشهد في الاحتجاجات الأخيرة لأنها تضم حركة وعي عام، وليس حزبياً، وأن الحراك يحمل الطبيعة القومية متوقع فيه الوعي والحركة والتيارات السياسية المختلفة.
وفي تتبع للأحداث التي شهدتها “بري”، في يوم 17 يناير قتل الطبيب “بابكر عبد الحميد” برصاصة في الرأس وتجمع الآلاف أمام مستشفى (رويال كير) معلنين الاعتصام ، وكشفت وزارة الصحة الاتحادية حينها تفاصيل مقتل الطبيب “بابكر عبد الحميد سلامة”، مبينة أن أداة الجريمة عبارة عن عيار “خرطوش”، وأن الإصابة كانت من الخلف وليس من الأمام. وقال لاحقاً مدير جهاز الأمن “صلاح قوش” إن الشهيد “عبد الحميد” قتلته فتاة ببندقية “خرطوش”.
وكان حي “بري” مسرحاً لعمليات كر وفر بين المتظاهرين وقوات الشرطة والأمن واستخدمت السلطات الرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع ضد المحتجين، منطقة بري كان لها دور كبير في إشعال جذوة الثورة وبقائها متقدة. وأدى استشهاد كل من الطبيب “بابكر” و”معاوية” إلى إصرار كبير لدى الثوار في مواصلة الحراك، حيث شارك الآلاف في موكب هادر لتشييع الشهداء.
ومن أبرز الأحداث التي جرت ببري إبان الثورة تداول النشطاء مقطع فيديو ظهرت فيه قوات شرطية وأمنية في استعراض للقوة واحتفال بدخول ميدان الدرايسة بحي “بري” بينما أصدرت الشرطة بياناً نفت فيه توزيعها للتسجيل الذي ظهر في صفحة رسمية لجهاز الأمن، قبل أن يُسحب، وأظهر المقطع جنوداً مسلحين يحتفلون بدخولهم إلى ميدان بحي “بري” الدرايسة.
وتحدى الشخص المتحدث في الفيديو سكان الحي بلغة استفزازية إذ تساءل أين أسود البراري؟ وهل جلستم في مكان أمهاتكم؟ وقوبل الفيديو باستهجان شديد، لجهة أنه يظهر قوات نظامية تهدد المواطنين، وتتحداهم لمنازلتها، وهي مدججة بالسلاح في وقت أصدرت الشرطة بياناً نفت فيه أنها صورت الفيديو ونشرته، إلا أنها لم تنف ما حدث من احتفال بدخول الميدان واستفزاز المواطنين.
ويقول الصحفي “طارق عثمان” الذي يسكن المنطقة أن “بري” استحقت بجدارة أن تكون واحدة من أيقونات ثورة ديسمبر المكانية، باعتبارها ظلت هي الملجأ للثوار حينما تضيق الأجهزة الأمنية عليهم، فكانوا بعد تفريق كل موكب من السوق العربي يتجهون إلى بري، حيث فتح أهالي “بري” أبواب مساكنهم لإيواء الثوار وحمايتهم، رغم البطش الذي ظلوا وعلى امتداد أيام وشهور الثورة يواجهونه من قبل أجهزة الأمن وكتائب الظل، التي أمطرتهم بالرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع التي كانت تقذف بها داخل المساكن، فارتقت على إثرها أرواح اثنتين من سكان “بري”، وفداء للثائرات اللائي لجأن إلى منزله قدم “معاوية بشير” (عم معاوية) روحه التي فاضت بعد أن تعرض للرصاص الأمن، وهو داخل منزله، وكذلك ارتقت في حي بري أرواح عدد من شهداء الثورة مثل الشهيد الطبيب “بابكر” الذي تم اصطياده برصاصة غادرة في موكب السابع عشر من يناير، وغيرهم ممن مهروا بدمائهم طريق الثورة.
القادم بوست