الحرب العبثية في السودان

0 81

بقلم ابوبكر شرف الدين

لقد تجاوز الحرب العبثي بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ال 5 أشهر حيث شهد فيها الشعب السوداني أبشع الانتهاكات من القتل والتشريد ودمار البنية التحتية المدنية والعسكرية، وتمزيق النسيج الاجتماعي الهش. لا استطاع الجيش من تحقيق الحسم العسكري العاجل الذي روج له دعاة الحرب، من مناصري النظام المحلول، واصحاب الاجندة الخاصة من المتطرفين العروبين والافرقانية.
وفقا لحيثيات مجري الحرب، من غير المتوقع أن يتم فيها عملية الحسم العسكري اطلاقا، والأدلة على ذلك كثيرة، على العكس تماما يبدو ان الحرب سوف تطول أكثر ممن توقعه الكثير، وإن مصير السودان أقرب إلى الوضع الصومالي او الليبي!

لماذا لا يمكن للجيش أن يكسب الحرب عسكريا؟
هنالك أسباب كثيرة ومؤشرات واضحة تدل على صعوبة هزيمة الدعم السريع عسكريا، لأن الجيش السوداني الحالي في رأي المراقب السياسي السوداني لم يعد يمثل المؤسسة الدفاعية العريقة، خاصة بعد أن توغل التنظيم الإسلامي على مدى الأجيال في هياكل المؤسسات الوطنية، وأدلجت القيادات العسكرية العليا، حيث أصبح ولاؤهم حصريا للتنظيم الإسلامي المحلول الذي كانوا ينتمون إليه، حيث يأتمرون بأوامر قيادات ما يعرف بالفلول. قل كثيرا المناصرة الشعبية للجيش بعد عملية فض الوحشي لاعتصام القيادة العامة، التي راح ضحيتها الآلاف من الشباب العزل، ثم سحب الشعب ثقته كليا من قيادة الجيش بعد أن تآمرمع فلول النظام المحلول والإنتهازيين من الحركات المسلحة الموقعة على السلام وانقلب على ثورة الشعب في 25 أكتوبر 2021, وصادر الحريات العامة وظل يمارس القمع ضد المتظاهرين السلميين حتى تاريخ اندلاع الحرب العبثي في 15 ابريل.
أكثر العوامل وضوحا بعدم قدرة الجيش على الإنتصار والحسم ضد ممن يسميه التمرد، هو وجود الفريق البرهان الذي أذن للدعم السريع لإعادة انتشار قواته داخل الخرطوم والولايات الأخرى على قيادة الجيش، وعند اندلاع الحرب أستخدم الدعم السريع قواته المنتشرة في الخرطوم لتدميرمعظم البنية التحتية العسكرية. بذلك خسر الجيش جميع مواقع الصناعة العسكرية والآليات القتالية الثقيلة في مقرات السلاح الجوي واليرموك وأخيرا في معسكر المدرعات والقيادة العامة للجيش كما فقد قرابة 90% من القوة الجوية. لم يواجه الجيش السوداني منذ تأسيسه مشكلة نقص الكادر البشري، لكن هذه المرة الحالة مختلف تماما، يعاني المؤسسة العسكرية من فقدان المقاتل الشرس بسبب تمزق النسيج الاجتماعي والولاء الجهوي والعرقي الذي ذرعه أنصار النظام القديم داخل الجيش، بما أن معظم الجنود من الجيش كانوا من غرب السودان، الان وبعد تكوين قوات الدعم السريع من قبائل غرب السودان، ومع توسيع الهوة بين الغرب الاجتماعي والشمال السياسي بسبب تعمد أنصار النظام المنحل في شرخ النسيج الاجتماعي من أجل افشال الثورة والتحول الديمقراطي.
منذ اندلاع ثورة ديسمبر باتت وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يعرف بالدجاج الإلكتروني في السودان مليء بالتحريض والعنصرية ضد السودانين بعضهم البعض. بسبب الموجة العنصرية البغيضة دفع معظم سكان غرب السودان ألي اتخاذ موقف الحياد في الحرب او الانحياز الى الدعم السريع كما في حالة الحركات المسلحة وبعض من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي من الغرب السوداني.
بفقدان الجيش مقراته الاساسية في الخرطوم انكشف أمر كبار الضباط الذين تبوؤا المناصب القيادية بمعيار الولاء السياسي والمحسوبية، بغياب المقاتل الباسل، إنكشف عيوب كبار ضباط الجبش من عدم استعدادهم للقتال. بل هم كانوا اداريون لبس أكثر من ذلك، مثلهم مثل أي موظف مدني، والأسوء أنهم يتلقون التعليمات من زعماء مليشيات كتائب ظل النظام المنحل، أو من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، مما اجبر مجموعة كبيرة منهم للاستسلام. او الهروب إلى الخارج لاجئا.
هل ينتصر الدعم السريع على الجيش؟
الإجابة على هذا السؤال غير مريح البتة على مناصري النظام القديم وبعض ممن تأذوا من الحرب في السودان، لكن الأمانة يقتضي الإجابة على هذا السؤال كما ينبغي. إن معرفة حقيقة مجريات الحرب بتجرد بلا شك يدعم دعوات وقف الحرب، إما أن يستكشف دعاة الحرب ان الحسم غير ممكن، وأن لديهم ما يخسرون أكثر مما ظنوا رابحون، او ان يبذل العقلاء جهدهم في اقناع طرفي النزاع في الجلوس للتفاوض. بتعبير بسيط الدعم السريع مثل آلة الترمينيتور في عالم السينما يقضي على كل خصومها قبل أن تقضي على نفسها في نهاية المطاف. حتى هذه اللحظة كل المؤشرات العسكرية والسياسية تدل على أن الدعم السريع في طريقه الى تحقيق هزيمة عسكرية على الجيش. خاصة في ولاية الخرطوم وبعض من الولايات الغربية، رغم ذلك من غير المتوقع أن يحكم الدعم السريع السودان بسبب الرفض الشعبي لانتهاكاته المتكررة، اضافة الى قلة الخبرة السياسية والإدارية.
ماذا يعنى في رفض الجيش التفاوض مع الدعم السريع!
1. يسعى كلا الطرفين حشد أكبر تأييد من استنفار شعبي الى انتشار عسكري استعدادا لإعلان حكومة خاصة به وكسب الشرعية من أجل القضاء على خصمه والتشبث بالسلطة لكي يهرب جنرالات الحرب من المحاسبة والعقاب مما مارسوا من الانتهاكات المتكرر لحقوق الشعب السوداني منذ حروب دارفور الي فض الاعتصام والانقلاب على الثورة واخيرا إشعال الحرب العبثي.
2. في نظر الفريق البرهان كسب الحركات المسلحة إلى جانبه قد يكسبه الحرب وايضا في نظر الفريق حميدتي لكي يكسب الحرب يجب منع تحالف الحركات مع البرهان وابقائهم على الحياد، بالتالي موقف الحركات المسلحة أصبح غالي كصوت الناقب في العملية الانتخابية، بانحيازه قد يغير موازين القوى. لكن الواقع قد يكون غير ذلك تماما، حسب معطيات الأحداث انحياز الحركات الى أحد الطرفين يزيد الحالة سوءا، انحيازها للجيش غالبا ما يشعل البلاد من ادناه الى اعلاه بحرب أهلي لا تبقي ولا تذر، أما انحيازها الى الدعم السريع يقود إلى تقسيم السودان جهويا حكومة في الشرق والشمال بقيادة البرهان وحكومة أخرى في الغرب والوسط بقيادة حميدتي. وأول مؤشرات تقسيم البلد هو تزامن مخاطبة الجنرالين البرهان وحميدتي الجمعية العامة للأمم المتحدة باسم السودان.
ماذا عن انتهاك حقوق الانسان؟
بغياب الشرطة والمؤسسات العدلية يصعب إثبات أي أدعاء لكن وسائل التواصل الاجتماعي مليء بمشاهد وروايات عن قتل المواطنين ابرياء وبلاغات غير مؤكدة عن اغتصاب فتيات ونهب ممتلكات العامة واحتلال بيوت المواطنين، يدعي أنها جزء من ممارسات قوات الدعم السريع ، رغم الإدانات الدولية من تلك الانتهاكات، إلا أن الظروف غير متاحة لتحقيق مستقل من صحة هذه المعلومات، على رغم من أن مثل هذه الانتهاكات واردة حتى على جيوش الدول الأكثر احتراما لحقوق الإنسان، الكل يذكر ما فعلتها القوات الأمريكية والناتو معا على العراقيين والافغان، الآن في الحرب الروسية الأوكرانية كل طرف يتهم الآخر على خرق حقوق الإنسان في التفريط على قتل المواطنين وبلاغات عن اغتصابات، لكن الذي يهمنا ان ندرك ان ما اتهم به قوات الدعم السريع من جرائم هي أس العقيدة القتالية الجيش السوداني التي مارسها من قبل ضد الجنوبيين وضد قبائل الافريقية في دارفور، ثم لقنت به قوات الدعم السريع في عهد البشير كعقيدة عسكرية لقهر حركات دارفور المسلحة وقتها كان البرهان من المشرفين في تلقين الدعم السريع بالعقيدة القتالية الوحشة هذه. لذلك تحسب كل الانتهاكات التي تمارسها الدعم السريع على المواطنين على قيادة الجيش برئاسة البرهان وأركانه.
تغيرت العقيدة العسكرية للجيش السوداني في عهد نظام الإنقاذ، لقد ألغيت كل قواعد الاخلاق في الحرب، منذ حروب الجهادية في الجنوب الى حرب دارفور كان الجيش يستخدم ويحرض مناصريه من المليشيات الموالية له الى استخدام الحرق والنهب والاغتصاب كسلاح ردع ضد خصومه. بينما يقذف الطيران الحربي القرى الآمنة والأسواق المحلية بحجة الردع الجماعي، الان ما يجرى في الخرطوم والولايات الغربية هي تكرار لما حدث وأن اختلف اللاعبون.
دروس من الحرب
رغم مساوئ الحروب من فقد للأرواح البريئة والممتلكات ورغم كل قباحة الحرب إلا أن الحروب تعد درس من دروس الحياة، يفيد الأجيال ويعدل مسيرة الشعوب، الحرب الدائر في السودان كشف أن الشعوب السودانية جمعت تحت هذه البقعة الجغرافية المحددة المسمى بالسودان بإرادة المستعمر، وليس بمحض إرادة شعوبها ووفق عقد اجتماعي يرضي الجميع، لذلك وجب إعادة صياغة الدولة السودانية وفق إرادة القوميات المستوطنة وبصياغة عقد اجتماعي شامل يمثل دستور السودان الجديد.
الجدل عن الهامش والمركز بين السودانيين ذاد اهميتها بعد أن كشف الحرب عن انعدام التنمية وضعف البنية التحتية في الولايات. بورتسودان هي المدينة الوحيدة بعد الخرطوم على نطاق القطر السوداني استطاعت استضافة حكومة المركز والبعثات الدبلوماسية، نأمل ان يكون قد أدرك النخبة السياسية أهمية التنمية المتساوية التي ينادي به سكان الولايات الطرفية. اما اصلاح الجيش وتجديد العقيدة العسكرية وابعاده من السياسة يدخل في قائمة اهم متطلبات مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الاعمار.
الشعور الجماعي بقساوة الحرب، معظم الشعب السوداني كان غير مصدق لما يدعيه شعوب دارفور بما مورس ضدهم من انتهاكات جسيم من قتل واغتصابات جماعية وحرق القرى ونهب الممتلكات، مما أدى إلى الشعور بالغبن والاحساس بالظلم وغياب العدالة بعد ان رفض السلطة القائمة على تسليم المطلوبين الى العدالة الدولية، لكن الآن معظم أهل السودان أدركوا أن الحرب قبيح وأن كل ما ادعى به أهالي دارفور كان صحيحا وان الحرب يجب ان يقف والي الابد وأن العدالة يجب ان يتحقق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.