المشهد السوداني : عودة للمسار العسكري بعد فشل منبر جدة في وقف النار

0 75

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم :
انتهت الجولة الاولى من المباحثات بين الجيش والدعم السريع والتي استغرقت عشرة أيام دون تحقيق أهدافها المعلنة من قبل جهتي الوساطة في جدة، والمتمثلة في تحقيق وقف لإطلاق النار ، وإجراءات بناء الثقة والتوصل لوقف دائم للأعمال العدائية، تم التفاهم حول البند الانساني المتعلق بفتح المسارات الإغاثية، وتمكين كل المنظمات العاملة في هذا المجال من التنقل والحركة بحرية تامة في أماكن سيطرة الدعم السريع والجيش. لكن المفاجئ كان مغادرة وفد الوساطة الأمريكية منبر جدة في جولة على عدد من عواصم دول الجوار، بعد ان فشل المنبر في التوصل الى وقف لإطلاق النار في الخرطوم.
اشترط الجيش خروج الدعم السريع من الخرطوم والانسحاب من المواقع العسكرية والحكومية التي استولى عليها، بينما تمسك الدعم السريع بتسليم قيادات النظام السابق المطلوبين لدى محكمة الجنايات الدولية، ومنع منسوبي المؤتمر الوطني من ممارسة اي نشاط سياسي في مناطق سيطرة الطرفين. اقترحت الوساطة ان تكون الخرطوم منطقة منزوعة السلاح وخالية من قوات الطرفين، على أن تكون تحت إدارة الشرطة وقوات محايدة، أبدى الدعم السريع مرونة وتمسك الجيش ببقائه وخروج الدعم السريع من العاصمة بوصفه ممثلا للدولة.
أفادت مصادر رفيعة داخل وفد الدعم السريع بانها اقترحت لقاءا مباشرا “مكاشفة” بين قائد الدعم السريع وقائد الجيش. لم يرد الجيش، وطلب مهلة لإجراء مشاورات مع قيادته في بورتسودان.
تحليل:
استراتيجية الدعم السريع التفاوضية:
• من واقع تقدمه الميداني، تسعي قواته لتحقيق سلام المنتصر يتم ترسيمه في منبر جدة , يعزز ذلك الافتراض خطاب قائده “حميدتي” الأخير والذي تحدث فيه عن السلام الكامل والدائم من خلال تحقيق أهم عناصره , إبعاد الإسلاميين من المؤسسة العسكرية وجهاز الدولة والحياة السياسية , وهو ما عبر عنه وفده التفاوضي في جدة , وحلفاءه السياسيين في قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي و تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية في أديس أبابا والقاهرة .
• الامر الثاني، يعمل الدعم السريع أيضا لكسب مزيد من الوقت من أجل السيطرة على حامية الجيش في الفاشر والأبيض وبابنوسة مما يعني عمليا سيطرة الدعم السريع على غرب السودان بأكمله “كردفان ودارفور” ومن ثم التفرغ لإسقاط حاميات الجيش المتبقية بالخرطوم مما سيضع الجيش عمليا في خانة الاستسلام. في الجانب الاخر، يتحجج الجيش بضرورة خروج الدعم السريع من الخرطوم على الرغم من ضعف موقفه الميداني وفقدانه للعديد من مقاره ومواقعه في دارفور وكردفان، لدرجة لجوء عدد من ضباط حاميته في منطقة ” كلبس” الحدودية لدولة تشاد بكامل عتادهم العسكري.
استراتيجية الجيش:
• تصلب موقف الجيش في منبر جدة مؤشر لفرضيتين، الأولى، استمرار قبضة الإسلاميين على مفاصله وتأثيرهم على قيادته وعلى مجريات التفاوض الذي يرغبون من خلاله تأمين مشاركتهم السياسية والحفاظ على وجودهم في السلطة، ودعم استمرار الحرب، يدعم هذه الفرضية التغيرات العسكرية الأخيرة في قيادة قاعدة وادي سيدنا العسكرية وإدارة العمليات، والتي أتت لصالح ضباط معروفين بانتمائهم وبمواقفهم الداعمة لمشروع الحركة الإسلامية.
• المؤشر الثاني، يتعلق باستراتيجية الجيش في دارفور وخططه الرامية لتحويل الحرب الي صراع قبلي بين حواضن قوات الدعم السريع “العرب” والحركات المسلحة ” زغاوة” بولاية شمال دارفور، والتي كادت أن تثمر بعد قرار قوات الدعم السريع بالهجوم على حامية الجيش بالفاشر وتمسك الحركات المسلحة بقرار الدفاع عن عاصمتهم السياسية والاجتماعية ، مما يعني العودة لمربع الصراع القبلي في دارفور، وهو ما يصب في صالح الجيش والإسلاميين وعناصر النظام القديم.
خلاصة:
– تمسك قوات الدعم السريع وحلفائهم المدنيين من قوى الثورة بإبعاد الاسلاميين وعناصر النظام القديم من المؤسسة العسكرية والعملية السياسية، وتعويل طرفا الصراع على عامل الحسم العسكري في تحقيق أهدافهم سيصعب من دور الوسطاء وسيفرغ المنبر من هدفه الرئيسي، تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، الامر الذي يحول منبر جدة الى فرصة لكسب الوقت من الطرفين، لصالح الحلول العسكرية.
– لا يوجد في الأفق حلول سياسية سريعة للصراع السوداني مع كل مخاطر تقسيم البلاد كحل نهائي لاستمرار خيار الموت والجوع والدخول في حرب أهلية شاملة بكل تداعياتها الإنسانية.
– يبدو بيان جدة الرسمي الذي أصدره الميسر الامريكي و السعودي، هو اقرب الى رفع العتب وحفظ ماء الوجه ، لكنه يقرا في الجانب الاخر الى اننا نقترب من نقطة ترك الاقليم للسودان ليواجه مصيره الكارثي وانتظار انتصار احد الطرفين على انقاض الدمار الشامل .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.