تتعدد أساليب الدراسة والتركيز وتختلف، فالبعض يضع الاستمرارية والانضباط والالتزام بجدول يومي من الدراسة كهدف أول لا بد من تحقيقه، في حين يرى البعض أن الفسحة والترويح عن النفس أمر لا بد منه، بل وعلى العكس يساهم في صقل تقنيات التدريس والتعليم غير التقليدية، فالعقل المزدحم المركّز على الدوام لا بد لهُ أن ينهار ويتعب على المدى الطويل.

لذلك كان من الواجب النظر خارج الصندوق قليلًا والتأمل في تقنيات الراحة والاسترخاء وتبيان مدى أثرها على العملية التعليمية، ولعل في رأس قائمة هذه التقنيات، العملية الحيوية التي لا غنى عنها عند جميع الكائنات الحية بدءًا من الشعب المرجانية وحتى الإنسان بوصفه كائنًا عاقلًا.. هذه العملية الهامة والتقنية البارزة كتقنية غير تقليدية للدراسة هي النوم! والجيد والكافي تحديدًا!

النوم الكافي.. من أفضل تقنيات التعلّم!

يعتبر النوم بشكل كافي كل ليلة لمدة 7 – 8 ساعات من أبرز الخلطات غير السحرية التي تؤثر على عملية التعلم بشكل إيجابي. وتجنب نيل القسط الكافي من الراحة وحتى لو لليلة واحدة فقط قد يؤدي لآثار سلبية على عملية التذكر والحفظ، ويصبح من الصعب العودة للحالة الطبيعية، واستمرار استنزاف الجسم بشكل بطيء. فالسهر لمدة طويلة والتضحية بساعات النوم في سبيل الدراسة الليلية أمر غير صائب، خصوصًا أن تقنية حشر المعلومات ليلًا أمر غير صحي وذو عواقب تالية.

ما الذي يحدث خلال النوم؟

على الرغم من بساطة عملية النوم، والاعتقاد العام بأنها مجرد ارتياح للجسم واسترخاء بعد عناء يوم طويل كان قد قضاه في مهامٍ شتى. إلا أن العملية تكون ذات وقع أصخب من ذلك، فعلى الرغم من هدوء الجسم خلال النوم، إلا أن العقل يكون نشطًا نوعًا ما! إذ تنقسم فترة النوم لعدّة محطات مختلفة، وغالبًا ما تصنف ضمن فترتين هما مرحلة الريم أو (حركة العين السريعة، فترة الأحلام) والنريم (حركة العين البطيئة، فترة النوم العميق).

فبينما يكون رأسك مسترخيًا على الوسادة كي يرتاح، تكون هناك ضجة داخل الدماغ، وحركة كبيرة تتضمن حدوث الأمور التالية:

  1. انكماش حجم الخلايا الدبقية المسؤولة عن إنتاج بعض المواد الكيميائية في حالة اليقظة.
  2. تعزيز كهربيّة الدماغ، الأمر الذي يساهم في صقل الذكريات وتعزيز الذاكرة وتوضيحها.
  3. تنظيم المعلومات الواردة إلى الدماغ، وتحسين القدرة على التفكير المجرد وتوسيع نطاق المعرفة لمجالات مختلفة.

وتعتبر الدراسة التي قام بها جون جينكينز وكارل دالينباخ من أبرز الدراسات التي ناقشت أهمية النوم في تحسين الذاكرة، حيث قارنت الدراسة معدلات النسيان وفقًا لأوقات اليقظة والنوم، وكانت النتيجة مختلفة بشكل واضح كما في الصورة التالية:

معدلات النسيان وفقًا لأوقات اليقظة والنوم
معدلات النسيان وفقًا لأوقات اليقظة والنوم

 

الكافيين، والحبوب المنومة، وأشياء أخرى..

إن أردت أن تحظى بالفوائد الكاملة التي يجنيها الدماغ من النوم بشكل جيد، فلا بد أن تعرف أبرز ما يؤثر عليه، فمثلًا قد يؤدي تناول بعض المشروبات الكحولية لفقدان الوعي والنوم بشكل عميق إلا أنّه يعيق عملية تعزيز الذاكرة التي تحدث في فترة حركة العين البطيئة، فيكون بذلك مسرعًا للنوم لكن بدون الحصول على فوائد النوم الحقيقية التي يمكن أن تنعم بها.

كما تؤدي الحبوب المنومة والمهدئة لنفس النمط أيضًا، إذ تؤدي لمضاعفة الأرق وتعقيد حالته، ولهذا يقترح العديد من الباحثين في هذا المجال أهمية علاج سبب المشكلة ومن ثم اللجوء للحبوب المنومة أو مشابهتها. كما يمكن أن يتداخل عمل بعض الأدوية كالامفيتامينات؛ التي يأخذها الطلاب لزيادة التركيز، مع استقرار النوم، خصوصًا عندما تأخذ بعد فترة الظهر من النهار. إضافةً للمنبهات وغيرها من السوائل المنشطة التي تعتقد أنها تمنحك الطاقة، في حين تجعلك في نهاية اليوم أقل فعاليةً وأكسل نشاطًا.

كما أن الضوء الساطع قد يحتوي على بعض العوامل التي تربك عملية النوم وتعكّر صفوها.

ما الذي ينبغي فعله حيال ذلك؟

هناك شقين لمعالجة هذا الأمر، فلا تقتصر فوائد النوم فقط على تحسين الذاكرة، بل تساهم في رفع نشاطك وطاقتك واستقرار نفسيتك خلال اليوم بأكمله. أوّل ما ينبغي فعلهُ هو إدراك أهمية النوم في العملية التعليمية، وأي محاولة لإلحاق ضرر بهِ ستسبب ارتباك الجسم بشتى فعالياته، لذلك لا بد من الحصول على قسط كافٍ من الراحة كل يوم.

أما الناحية الثانية، فهي وضع خطة دقيقة لكيفية التعامل مع النوم حتى يكون بحده الأمثل، فحتى الذين ينامون بشكل طبيعي، ربما لا يدركون بعض الفوائد التي بإمكانهم جنيها من النوم بشكل جيد ومدى انخراطه في تحسين عملية الفهم والتعلّم، لأجل ذلك.. لا بد من طرح النقاط التالية:

  1. التقليل من الكافيين أو شرب الكحول: ويفضل ألا تكون في الفترات المتأخرة من اليوم إن كان ولا بد منها، لأن ذلك يتضارب مع النوم ويعكّر صفوه.
  2. تجنب ضوء الشاشات الساطع بعد التاسعة مساءً: يسرع هذا الأمر من النوم بشكل هانئ.
  3. نم واستيقظ في نفس التوقيت كل يوم: وحتى ضمن أيام العطلة. لأن التبديل المستمر بين مواعيد النوم سيسبب اضطرابًا ينعكس بشكل سلبي.
  4. لا تضحي بساعات نومك من أجل الدراسة: إن كان لديك بالفعل ما تريد تعلمه، فإن ساعات النهار كافية وتزيد أيضًا، فالتضحية بالنوم في سبيل الدراسة قد يضر الطالب أكثر من إفادته حتى!
  5. نم 8 ساعات كل يوم: يمكن للإنسان أن يخدع كل شيء إلا بيولوجيا جسمه! لذلك لا بد من أخذ القسط الكافي من ساعات النوم والتي تتمثل بـ 8 ساعات في غالب الأحوال، لذلك لا تخدع نفسك وتوهمها بما هو أقل من ذلك.

صحيح أن الدماغ ليس عضلة إلا أن آلية صقله وترسيخ المعلومات فيهِ هي تمامًا كتلك التي تحدث في الأندية الرياضية عندما يحاول اللاعب بناء عضلات جسمه من خلال هدمها وإعادة بنائها! فلا بد بعد مرحلة الهدم والتمرين بكثافة، من مرحلة أخرى لاحقة لها وهي مرحلة الشفاء والتعافي، ولعل النوم هو أفضل شفاء لدماغ الإنسان، وأهم مَن يحاول إصلاحه في كل يوم يمضي.