في ذكرى وفاته ال (22).. لماذا إستبعد مفاوضي الإنقاذ القائد يوسف كوة وقضية جبال النوبة من مفاوضات أبوجا ؟
كتب: مبارك أردول
.
عقب إنضمام أبناء جبال النوبة زرافات ووحدان الي الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في منتصف الثمنينيات من القرن الماضي خاصة في نهاية أيام جعفر نميري، شكل أبناء النوبة قوام الجيش الشعبي المقاتل في جبهات الحرب الاستوائية، وازدادت اعدادهم عقب مزبحة هيبان التي جرت في العام 1988م أيام حكومة الفترة الديمقراطية والتي قامت بعملية تسليح كبيرة للمليشيات القبلية وقوات المراحيل لخوض حربها والدفاع عن حكومتها.
فبعد سقوط الحكومة المنتخبة في انقلاب الحركة الإسلامية1989م بزعامة الترابي وتغيير طبيعة الحرب الي حرب دينية مقدسة من قبل الجبهة الإسلامية واعلان الجهاد في 1992م على النوبة، جرت أول جولة للمفاوضات في التسعينيات بين الحركة الشعبية ونظام الجبهة الإسلامية.
حددت حكومة الجبهة الإسلامية التفاوض مع وفد أبناء جنوب السودان فقط وليس وفد الحركة الشعبية كما أعلن، كل القصد وراء هذه الاستراتيجية هو استبعاد القائد يوسف كوة من التفاوض وعدم استعدادهم لتضمين قضية جبال النوبة ضمن قضايا مفاوضات السلام.
المفهوم الذي كانت تتعامل معه الانقاذ وعنجهية وفدها كان منطلقا من عقلية فضلا عن استعلائيتها المعروفة تجاه القائد يوسف كوة وقضيته فانها كانت ترى إن الحرب بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي ويوسف كوة معلوم إنه مسلم فإن مجرد النقاش معه سيفقد الجبهجية تلك الحجة والمنطق الذي ظلوا يحشدون به شبابهم ويدفعونهم للحرب والجهاد والاستشهاد ويسوقونهم أفواج وقطعان لحتفهم في ادغال الجنوب وجبال النوبةوالنيل الازرق.
وينحدر القائد يوسف كوة مكي من أب وأم مسلمين من منطقة الأخوال بجبال ميري غرب كادقلي في قلب جبال النوبة، ومنطقته مشهورة بمناهضة المستعمر الإنجليزي عبر ثورة الفكي علي الميراوي الشهيرة .
ويوسف كوة خريج جامعة الخرطوم كلية الاقتصاد وأول المثقفين الذين انضموا من أبناء جبال النوبة للكفاح المسلح ، بعد ان فاز في انتخابات الإتحاد الاشتراكي في كادقلي مع رفيقه دانيال كودي وعدد من الشباب بينهم هارون إدريس رغم تنافس الاحزاب وقلة الامكانيات التي كانت في يدهم، استطاع القائد يوسف كوة نزع بطاقة الفوز وصار نائبا لحاكم إقليم كردفان الفاتح بشارة ورئيسا لبرلمانها، وجلوس الجبهجية مع يوسف تنتهي قدسية الحرب المتوهمة وسيقابل مسلم لمسلم وسيصير الخلاف سياسي، وهو ما كانت تنكره الانقاذ وتصور الحرب بانها دينية تقصد الشريعة الإسلامية والدين وهكذا، فيوسف كان سيفسد كل ذلك وسيفقد الانقاذ اكبر مخزون للتجنيد، لانهم لن يستطيعوا الاجابة على سؤال لماذا يوسف المسلم الذي يجلس بجانب المسيحيين ويفاوض وفدهم المسلم ، هذه معادلة لن تنعدل في من تمت تعبئتهم بالهوس الديني حينها ، سيما وان الحرب كانت تعتمد على التضليل والدعاية من جانب واحد.
عند انسداد كل الطرق أمام يوسف كوة ورفاقه في النضال السياسي السلمي الجماهيري إبان حكم نميري قرروا الانضمام لجون قرنق ودعوة كل أبناء النوبة للانضمام للجيش الشعبي وبشرهم بفجر سودان جديد لا يظلم فيه احد.
أصبح يوسف كوة بعد الانضمام عضوا في قيادة الحركة الشعبية وعضوا في وفدها المفاوض في جولة التفاوض في ابوجا، كان يرأسها وفد الانقاذ دكتور علي الحاج وزير ديوان الحكم الاتحادي ومعه وزير الخارجية مصطفى عثمان اسماعيل وعدد من زعماء الانقاذ قبل المفاصلة، في أولى جلسات التفاوض دخل القائد يوسف كوة الي القاعة فبادره على الفور الوزير مصطفى عثمان بانه يجب أن لايكون ضمن وفد الحركة الشعبية وأنهم جاءوا فقط للتباحث مع الجنوبيين ويعترفون بقضيتهم ! فقال ليوسف اما انت فيجب عليك المجي الي غرفتي فوق ونتفاهم، كان القائد يوسف معروفات برزانة الحديث وقوة الطرح والتهذيب ولكن ذلك اليوم خرج عن طوره فرد معنفا وزير خارجية النظام أتطلبني أن أجيك في غرفتك ل(…..) معك، بصوت جهور أمام الحضور من الوسطاء والوفدين، حتى وصل الامر الي اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصري فكان يمازح القائد يوسف دوما بلهجته المصرية (والنبي كماندر يوسف قولتلو ايه ؟) اترك ما بين القوسين لفطنة القارئ وتصوره لمشهد الاستفزاز .
هكذا كانت الانقاذ تنظر لقضية جبال النوبة وأبناءها وحتى في إعلان مبادئ الايقاد في 1998م لم تتضمن المبادئ حلا جذريا لقضية جبال النوبة والنيل الأزرق وأبيي (المناطق الثلاث) ضمن الإعلان، لذلك جاءت نتيجة مفاوضات نيفاشا مخيبة لآمال المناضلين في المناطق الثلاث، وفصل منبر التفاوض في ناكورو ونانيوكي بدلا عن نيفاشا، استجلبت الانقاذ حينها مؤيدين لها ضمن وفد الحكومة من ابناء النوبة لمواجهة اخوتهم في الحركة الشعبية وتمييع طرح القضايا.
تجددت الحرب في العام 2011م حتى قبل انتهاء آجال اتفاقية السلام الشامل وسقط نظام البشير على اثر ذلك الحرب وتعنت نظامهم وإضاعتهم لفرض كانت ستحقق سلاما واستقرارا في البلاد ولنظام حكم جديد سيولد بيدهم.
فالدور الذي لعبه قادة الانقاذ في التعامل مع القائد يوسف كوة وقضية جبال النوبة ما أشبه الليلة بالبارحة عند قحت في تعاملها مع العملية السياسية، فعندما يجلس كل السودانيين لمناقشة الازمة السياسية في البلاد يكون هنالك أشخاص يحملون نفس جينات مصطفى عثمان اسماعيل في الاستبعاد والاقصاء ولنفس الفئة وبدواعي واهية لاتقف على أرجل، غير منطق ومزاج مصطفى عثمان اسماعيل بالامس، هذا اذا ما تركنا اتباع دكتور علي الحاج المتواجدين اصلا ضمن المجموعة وبصورة علنية.
لن يكون السودان اليوم حكرا لأي فئة من أبناءه تقرر في شأنه كيفما تشاء مهما استطالت بنادقها، فكل الحروب خسر فيها الاطراف ولا قوة نراها الان وفرصة متوفرة لأي طرف تفوق فرص الانقاذ حينها، ولكن لم تصمد أمام قوة وارادة المناضلين رغم قلتهم ومحدودية امكانياتهم أمام الحكومة .
إننا سوف نسلك طريق القائد يوسف كوة الأول ولن نبدله ونعاهده في ذكراه أن لا حياد مهما كان للوصول لسودان العدالة والحرية والديمقراطية .
.