ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف
تقديم:
عقدت الجمعية الاستثنائية ال 41 لرؤساء دول وحكومات الإيقاد يوم السبت 9 ديسمبر 2023 في جيبوتي، التي خصصت لمناقشة الوضع في السودان . ترأس الاجتماع إسماعيل عمر غيلة، رئيس جمهورية جيبوتي ورئيس رؤساء دول وحكومات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية. وحضر الجمعية؛ أبي أحمد، رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا؛ ويليام روتو، رئيس جمهورية كينيا؛ حسن شيخ محمود، رئيس جمهورية الصومال الاتحادية؛ عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي لجمهورية السودان. جيمس بيتيا مورغان، وزير الخارجية والتعاون الدولي لجمهورية جنوب السودان؛ بامولانغاكي سيمبيجا؛ وزير الدفاع وشؤون المحاربين القدامى في جمهورية أوغندا.
وكان من بين الحضور أيضا: وركنه غيبيهو، الأمين التنفيذي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية؛ وموسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي؛ رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان؛ السفير فيصل بن سلطان القباني، سفير المملكة العربية السعودية لدى جمهورية جيبوتي؛ السفير مايكل هامر، المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي؛ سيلفي تابيس، سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى جيبوتي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية؛ والسفير إسماعيل ويس ، المبعوث الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية إلى جنوب السودان.
– قطعت القمة باستحالة الحل العسكري للأزمة الراهنة في السودان، وأن الحوار والمناقشة السلميين هما السبيل الوحيد لرسم الطريق إلى الأمام من أجل سودان مستقر، موحد وديمقراطي.
– أكد كل من رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان, وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو , التزامهم القاطع بوقف غير مشروط لإطلاق النار وحل النزاع من خلال الحوار السياسي , وموافقتهم على اقتراح الجمعية بعقد اجتماع مباشر بينهما , بتيسير من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية .
- رحبت القمة باتفاق وصول المساعدات الإنسانية الذي وقعته أطراف النزاع عدة مرات في جدة في 7 نوفمبر 2023 وتدابير بناء الثقة المتفق عليها بين الأطراف والخطوات اللاحقة المتخذة نحو التنفيذ، ودعوا الأطراف إلى احترام اتفاقهم والتزامهم.
- أدان الاجتماع التدخلات غير المبررة من قبل الجهات الفاعلة الخارجية , الحكومية وغير الحكومية في النزاع في السودان، وحثها على الامتناع عن توفير وإعادة تزويد أي من طرفي النزاع بالمعدات والعتاد الحربي.
– دعت القمة إلى توحيد الجهود في إطار العملية التي تقودها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية والاتحاد الأفريقي لرسم مسار موحد ومنسق للسلام في إطار خارطة طريق الإيقاد ومواصلة تأمين تأييد خارطة الطريق من قبل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
– دعت القمة إلى عملية وساطة موحدة ترتكز على المجهودات الأفريقية , وتنسق مختلف الجهود والمسارات الوطنية والإقليمية والقارية والدولية تحت رعاية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية والاتحاد الأفريقي.
-التزمت قمة الإيقاد بدعم عملية سياسية شاملة بقيادة مدنية من شأنها أن توضح طبيعة وهيكل المجتمع السوداني والحكم وتنقل البلاد إلى حكم ديمقراطي مدني ، و تسريع الجهود في تنظيم حوار مدني شامل تيسره الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية والاتحاد الأفريقي بقيادة سودانية , بهدف صياغة توافق وطني في الآراء يساعد في تشكيل عملية انتقالية بقيادة مدنية تتوج بإجراء انتخابات مفتوحة وشفافة وديمقراطية.
-قررت القمة إنشاء إطار للهيئة الحكومية يتألف من محاورين دبلوماسيين وسياسيين، يرشحهم رؤساء حكومات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية للاضطلاع بجهود الوساطة في السودان.
-تعيين مبعوث خاص للهيئة في السودان، يتولى تنسيق وقيادة جهود الوساطة وفقا لخارطة طريق الإيقاد لعملية السلام في السودان.
تحليل
انعقدت القمة ال41 الاستثنائية بناء علي لقاء تم بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان والرئيس الكيني وليم روتو في أكتوبر الماضي في نيروبي، أزال فيه البرهان تحفظاته السابقة حول مقترحات الهيئة للحل السياسي ورئاسة كينيا لألية الايقاد الرباعية حول السودان، واتفقا فيها على عقد قمة طارئة لرؤساء دول الإيقاد من أجل مناقشة وقف الحرب بالسودان .
مثل انعقاد القمة بعد تعليق منبر جدة جراء فشله في تحقيق وقف إطلاق نار جزئي وبناء الثقة بين طرفي الصراع بارقة أمل لوقف النزاع المسلح في السودان ,والذي يصنف بالأسوأ وفق بيانات وتقارير المنظمات الأممية , أتت القمة داعمة لخارطة منظمة الايقاد للحل السياسي والتي تتبنى سياسة توحيد المنابر والمبادرات , من خلال دمج رؤية منبر جدة ومقترحات الايقاد , في مصفوفة إجراءات تؤدي لوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية تفضي لانتقال السلطة من العسكر للمدنيين , من خلال تحقيق وقف إطلاق النار بشكل دائم وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح وإخراج قوات الطرفين إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترا عن الخرطوم علاوة على نشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية في العاصمة .
في خطوة متوقعة ,تراجعت الخارجية السودانية في بيان لها عن التعهدات التي وافق عليها البرهان خلال اجتماع رؤساء الهيئة الأفريقية للتنمية “إيقاد” والتي وردت في البيان الختامي للقمة الاستثنائية , متحججة بتضمين البيان لنقاط غير متفق عليها , تتمثل في اشتراطات البرهان حول لقائه المباشر مع حميدتي والتي يجب أن تكون بعد إقرار وقف دائم لإطلاق النار، وخروج قوات الدعم السريع من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها , وعدم المساواة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع , وأن تشمل العملية السياسية كلا الطرفين المتنازعين (قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية) بالإضافة للقوى المدنية .
ذهب كثير من المراقبين أن بيان وزارة الخارجية السودانية يمثل تكرار لموقف الإسلاميين السابق من مبادرة الإيقاد، ومقترحاتها للحل المهددة لوجودهم في الجهاز العسكري والمدني للدولة، والمتعارضة مع مصالحهم السياسية والاقتصادية , في تكرار لمواقفهم السابقة من منبر جدة ومن كل مجهودات الحل السياسي السابقة للحرب والتي قامت بها الالية الرباعية “بريطانيا والسعودية وأمريكا والامارات” والالية الثلاثية “الايقاد والاتحاد الافريقي والبعثة الأممية” .
بيان الخارجية السودانية قد يكون مؤشرا للصراع المحتدم داخل مراكز القوى بين تيارات الحل السياسي والحسم العسكري , والتي يمثلها قائد الجيش البرهان ونائبه شمس الدين الكباشي من جانب , ومن جانب اخر الرجل الثالث في الجيش ياسر العطا المدعوم من الإسلاميين داخل المؤسسات العسكرية والأمنية , هنالك افتراض اخر , أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يهدف الي كسب الوقت من خلال تواجده في المنابر ومواقف حكومته المزدوجة حولها , وذلك وفق إستراتيجية أمنية حربية تستهدف إغراق الدعم السريع في دوامة الصراعات الداخلية بين مكوناته الاجتماعية , وحصاره داخليا وخارجيا , ومواصلة الحرب الاستنزافية ضده وذلك بغرض إضعافه , من أجل القضاء عليه أو تغيير كفة الميزان العسكري علي نحو يساعد في تقوية الموقف التفاوضي للجيش , خصوصا بعد هزائمه الأخيرة في غرب السودان والخرطوم , وتقدم قوات الدعم السريع نحو الوسط والشمال .
خلاصة:
-علي الرغم من ترحيب قوات الدعم السريع وقوى المجتمع المدني بمخرجات القمة، وإعلان استعدادهم للعمل وفق بنود بيانها الختامي، إلا أن بيان الخارجية السودانية يهدد مجهودات الحل السياسي بالفشل، مما يرشح استمرار موجة الصراع المسلح بصورة أعنف.
– بعد هذا المشهد الذي أعقب قمة جيبوتي بات واضحا أن أطراف الحرب تعتبر خيار الحسم العسكري هو خيارهم الاني، يؤكد ذلك العديد من التقارير التي تفيد بقيام الجيش والدعم السريع بحشد وتجنيد مقاتلين جدد، ووصول أسلحة وعتاد ومسيرات جديدة لميدان المعركة ، الأمر الذي يفسر جولات التفاوض السابقة كاستراتيجية لكسب الوقت في حرب فرض الاجندة السياسية بقوة السلاح، بكل تداعياته الإنسانية وتأثيراته علي وحدة السودان واستقرار الإقليم.
-يتضح من بيان الخارجية السودانية الذي ينسف مواقف البرهان قائد الجيش، ان الحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي، تتحكم اليوم في مفاصل الدولة وما تبقى من الجيش، وانها بهذا الجهد المعطل للحلول السياسية ووقف الحرب، تبعث رسالة للقوي السودانية والإقليمية والدولية ,فحواها , انهم جزء أساسي وفاعل في المعادلة السياسية القادمة للسودان، واستثناؤهم يعني استمرار الحرب وصولا الى تقسيم البلاد .
بهذه الخيارات ، لن يبقى للدعم السريع الذي يسيطر على غالبية مناطق العاصمة، وولايات الغرب والجنوب الشرقي، سوى خيار تشكيل الإدارات المدنية او الحكومة الموازية مقابل سلطة البرهان التي تدير عملها من عاصمته الجديدة بورتسودان , مما سيجعل السودان عمليا تحت سلطتين متناحرتين تهددان وحدته وسلامة واستقرار مجتمعاته جراء مخاطر الحرب الاهلية والجوع في معارك الشرعية و الاخضاع المستمرة بين طرفي الحرب .